الثلاثاء، 4 ديسمبر 2001

من وراء الهجمة على المملكة العربية السعودية ومصر ولماذا؟


الاثنيـن 18 رمضـان 1422 هـ 3 ديسمبر 2001 العدد 8406
جريدة الشرق الأوسط

من وراء الهجمة على المملكة العربية السعودية ومصر ولماذا؟

ميشيل ستاينبيرج وحسين النديم *
لم يمض يوم واحد على خطاب الرئيس الأمريكي جورج بوش في 9 أكتوبر، الذي ذكر فيه تأييده لتأسيس دولة فلسطينية، حتى أطلت صحيفة «واشنطن بوست» بمقال افتتاحي «تدين» فيه «النظام الاستبدادي» للرئيس مبارك، واصفة إياه بأنه «منهك سياسياً ومفلس معنوياً». وقالت الصحيفة انه قد آن الأوان لقطع المساعدات الأمريكية لمصر لأنها «مثال بارز» على الدول التي تشكل «السبب الرئيسي للتطرف الإسلامي والإرهاب». في يوم 17 أكتوبر، وعلى نفس النغمة وصفت صحيفة «نيويورك بوست» المملكة العربية السعودية على أنها «حليف زائف» على علاقة حميمة بأسامة بن لادن. ونشرت أكاذيب أخرى في 27 أكتوبر تقول ان ولي العهد الأمير عبد الله بن عبد العزيز يمول حركة طالبان وبن لادن.

 وفي المقال الافتتاحي لصحيفة «وول ستريت جورنال» في 30 أكتوبر كشفت هذه الجريدة المتنفذة في أوساط المال والأعمال ما كانت تضمره للسعودية بالحرف الواحد وهو «السيطرة على منابع النفط»، قائلة «إن مجيء نظام أكثر راديكالية سيفرض (على صناع القرار) اتخاذ قرار باحتلال منابع النفط والقضاء بذلك على منظمة أوبك نهائيا». أما في يوم 2 نوفمبر فقد تحدث ريتشارد بيرل الذي يرأس مجلس إدارة السياسة الدفاعية في البنتاغون Defense Policy Board وأحد صقور الحرب المؤيدين لإسرائيل في واشنطن، تحدث لراديو WTOP في العاصمة الأمريكية متهمتا «الحكومة السعودية» بإنفاق «المليارات من الدولارات على المساجد والمدارس الدينية حول العالم التي تحض على الكراهية» ضد الولايات المتحدة. وعادت «ويكلي ستاندرد» الصهيونية المتطرفة إلى نفس النغمة السابقة قائلة بضرورة تدخل الولايات المتحدة «للسيطرة على آبار النفط وحمايتها وتشغيلها في حال وقوع اضطرابات راديكالية في السعودية».

 وتوالت مثل هذه التقارير التي يستنسخ بعضها بعضاً حرفياً أحيانا في الأسابيع الستة الماضية في وسائل إعلام كبرى مثل مجلة «ذي إيكونومست» وهيئة الإذاعة البريطانية وحتى قناة PBS التي تمولها الحكومة الأميركية. لو كانت هذه التصريحا،ت المضحكة أحيانا وغير المعقولة في معظم الأحوال قد وردت في وسائل إعلام مغمورة لكان المرء قد ضحك عليها وتجاوزها. لكننا أوردنا هذه الأمثلة القليلة لأنها تعبر عن وجهة نظر دوائر عليا في الولايات المتحدة وبريطانيا الحليفتين في «حربهما العالمية ضد الإرهاب». لذلك لا بد من إلقاء نظرة فاحصة على مصادر وطبيعة هذه الحملة الإعلامية المليئة بالحقد والكراهية. ولا بد من التشديد على أن الرئيس جورج بوش شخصيا وبعض وزرائه البارزين قد نأوا بأنفسهم عن هذه التصريحات، وهذا ما يجعل الأمر أكثر جدية لأن هذه الحملة تستهدف الرئيس الأمريكي وسياسته المعلنة تجاه الأزمة الراهنة وتجاه قضية السلام في الشرق الأوسط التي أعلن عنها الوزير كولن باول في خطابه الأخير. وإن الرئيس الأمريكي قد تعرض لحملة مشابهة في الأيام الأخيرة بسبب تقاربه مع الجالية المسلمة في أمريكا، وتصريحاته التي تحض على التقارب مع الإسلام.

 إذاً ما السبب الكامن وراء حملة التشهير الاستفزازية التي تظهر وكأنها إعلان حرب على دولتين عدوتين، بينما الواقع يقول ان مصر والمملكة العربية السعودية هما من حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط؟ يظهر تحقيق أجرته مجلة Executive Intelligence Review أن حملة التشهير هذه بدأت بوقت طويل قبل 11 سبتمبر، وغرضها إشاعة الفوضى في منطقة الشرق الأوسط ومنع أية حلول سلمية عادلة في المنطقة. ففي مارس عام 2001 ألقى النائب الديمقراطي توم لانتوس خطابا ناريا في مؤتمر منظمة أيباك الأمريكية الإسرائيلية مطالبا فيه أن توقف الولايات المتحدة جميع مساعداتها لمصر. فأحداث 11 سبتمبر لم تكن إلا ذريعة لاستهداف مصر والسعودية، أكبر دولتين سكانا وتأثيرا سياسيا وإمكانيات اقتصادية في المنطقة.

 لقد أظهر هذا التحقيق أن مصدر هذه الحملة نابع من دوائر عليا وعناصر مارقة داخل الولايات المتحدة وبريطانيا. فهنالك تياران متشابكان في الولايات المتحدة هدفهما اختطاف سياسة إدارة بوش وتحويلها نحو صراع عالمي كما يريده دعاة «صراع الحضارات» من أمثال زبيجنيو بريجينسكي. ويتضمن التيار الأول بعض المسؤولين في وزارة الدفاع والخارجية وآخرين على مستوى مستشارين في داخل الإدارة مثل مجموعة «بول ولفوويتز» في وزارة الدفاع وريتشارد أرميتاج في الخارجية و «مجلس إدارة السياسة الدفاعية» بقيادة ريتشارد بيرل.

 أما التيار الثاني فيتضمن كبار ممولي اللوبي الإسرائيلي المعروفين بمجموعة «ميجا» التي يترأسها الملياردير اليهودي الكندي إدجار برونفمان المعروف بعلاقاته الواسعة بالمافيا اليهودية وبشبكات الجريمة المنظمة. ويمكن قول الكثير عن هذه المجموعة وتأثيرها في الرأي العام الأمريكي بما لا يتسع له المجال هنا.

 * شبكة عبرأطلنطية

 * يوجد في الخطوط الامامية لهذه الحملة طوفان من المقالات والتقارير نابع من دائرة صغيرة لكن قوية من مالكي وسائل الإعلام. فهناك توجد صحيفة «واشنطن بوست» التي تملكها الآن لالي وايمث التي عادة ما تبرز دعاية إعلامية إيجابية لسياسات شارون. المركز الآخر هو الشركة الإعلامية الكبرى «هولنجر كوربورايشن» التي يملكها الملياردير الكندي كونراد بلاك والتي تصدر عددا كبيرا من الصحف أهمها «التلغراف» اللندنية و«جيروساليم بوست» الإسرائيلية. أما مجلس إدارة الشركة الذي يضم بريجنسكي وهنري كيسنجر والبارونة مارجريت ثاتشر وريتشارد بيرل فعادة ما يلعب دور منسق التحولات السياسية فكريا في عدة حكومات غربية. ولا يضاهي بلاك تأثيرا في الرأي العام إلا السير روبرت مردوخ مالك صحيفة «لندن تايمز» والصحيفة الصهيونية اليمينية المتطرفة «نيويورك بوست» و مجلة «ويكلي ستاندارد»، وهي من صحف «الفضائح» المحافظة الجديدة التي أصبحت قاعدة انطلاق لدعاة «الإمبراطورية الأمريكية الجديدة». أما دوائر صنع القرار الاقتصادي العالمي والمصالح المالية والمصرفية الكبرى فتنطق باسمها جرائد ومجلات مثل «وول ستريت جورنال» و«فاينانشال تايمز» و«ذي إيكونومست». أما خطوط الإمداد لهذه الحملة فتدار من قبل مجموعة من المؤسسات البحثية أو «ثنك تانك» في كل من واشنطن ولندن وإسرائيل التي بدأت منذ سبتمبر الماضي تنشط في صياغة تقارير ملفقة هدفها ربط سياسة مصر الداخلية وشخصيات بارزة في السعودية بالإرهاب. وتقود هذا التوجه في الولايات المتحدة مؤسستا أميركان انتربرايز إنستيتيوت AEI ومعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى WINEP الذي يتم تمويله من قبل مجموعة «ميجا» وصحيفة «ويكلي ستاندارد» التي يملكها مردوخ. ويتداخل نشاط AEI مع نشاطات مؤسسات تدار بصورة مباشرة من قبل المخابرات العسكرية الإسرائيلية مثل المعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي JINSA المتخصص في اختراق وكالات المخابرات الأمريكية. ولكن حتى نفهم فعلاً أسباب هذه الحملة الإعلامية، علينا أن نثير التساؤلات حول ما حصل في 11 سبتمبر ومحاولة إلصاق التهمة بابن لادن والإسلام مباشرة وبدون تقديم أية أدلة مقنعة للعالم والدول العربية خاصة بوجود ذلك الرابط. لذلك فالحرب في أفغانستان لا يمكن اعتبارها إلا ذريعة لتطبيق سياسة جديدة في العالم وفرضها حتى على الرئيس الأمريكي شاء ذلك أم لا.

 * انقلاب ضد بوش

 * ومن قبيل ما يثير هذه التساؤلات هو ما طرحه السياسي الأمريكي وعالم الاقتصاد ليندون لاروش الذي وصف أحداث 11 سبتمبر وما تبعها على أنها «محاولة انقلاب داخلية» على سياسة الرئيس جورج بوش. وقال لاروش في مؤتمر عقد في ألمانيا في 17 نوفمبر: «إن ما حصل في الولايات المتحدة في 11 سبتمبر كان محاولة انقلاب ضد رئاسة جورج بوش من قبل جناح عسكري على مستويات عليا داخل المؤسسة الأمنية للولايات المتحدة.. الغرض من ذلك هو فرض سياسات «صراع الحضارات» لأمثال زبيجنيو بريجنسكي حيث سيقاتل مليار مسلم أحدهم الآخر وكل من حولهم، عندما يستفزهم ما يجري في الشرق الأوسط وتتوسع هذه الحرب إلى مناطق أخرى».

 وكجزء من سياسة الانقلاب السياسي هذه تم توجيه جميع إمكانيات جناح الصقور الأمريكي المتشدد واللوبي الصهيوني ضد مصر والسعودية، ليس لأن حكومتيهما ارتكبتا جريمة ما أو لأنهما «ترعيان» الإرهاب، بل على العكس لأنهما لعبتا دوراً مهماً في منع تحول التطورات التي تلت 11 سبتمبر إلى حرب شاملة بين الولايات المتحدة وبريطانيا والعالمين العربي والإسلامي. إن المواقف الحذرة والحكيمة التي اتخذتها قيادتا البلدين تمثلت في النقاط التالية: عدم الانجرار وراء «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة» في حرب بريطانيا وأمريكا» ضد الإرهاب مثل عدم توفير قواعد لضرب دول عربية أو إسلامية من قبل السعودية. التنبيه إلى خطورة توجيه أصابع الاتهام إلى المسلمين أو العرب على أنهم المنفذون الحتميون للعملية الإرهابية، وقيام السعودية بكشف حقيقة أن العديد من «السعوديين» المتهمين هم إما أحياء أو أشخاص استخدموا هويات سعودية مزورة. أو كما قال وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل قبل أيام قليلة ان «مخططي العملية قد جندوا قصداً عدداًَ من السعوديين لدق إسفين ما بين السعودية والولايات المتحدة». كما أن تصريحات الرئيس مبارك أشارت إلى الجوانب العملية والتقنية باعتباره طيارا سابقا ومعارضته للتوجه العام للإعلام الأمريكي بأن بعض العرب المتدربين على الطيران لمدة قصيرة وعلى طائرات صغيرة هم منفذو العملية. كما انه شدد في معظم أحاديثه مع المسؤولين البريطانيين خاصة والصحافة عامة على أن دعم وإيواء ما يسمى «الإرهاب الإسلامي» يأتي تاريخيا ولا يزال من دول غربية خاصة بريطانيا، وليس مقتصراً على الدول الإسلامية. كما وضع مسؤولية مكافحة الإرهاب على عاتق جميع الدول الغربية منها والشرقية.

 إن ما يواجه العالم اليوم، وليس السعودية ومصر فقط، هو محاولة استغلال ما وقع في 11 سبتمبر من قبل عناصر مارقة لخلق نظام عالمي جديد (أو إمبراطورية رومانية جديدة) تعتمد على القدرات العسكرية الأمريكية ـ البريطانية ـ الإسرائيلية، وعن طريق توسيع الحرب من أفغانستان إلى مناطق أخرى كما يطالب بذلك الصقور المذكورون أعلاه. وهذا لا يعني أن هذا من مصلحة الحكومة الأمريكية والشعب الأمريكي، فالرئيس بوش وكولن باول قد لا يكونان مقتنعين بهذه السياسات، لكن المد الإعلامي والحرب النفسية المكثفة في الغرب لا يعطيان الفرصة لجر النفس والتفكير بهدوء لاستشراف تأثير السياسات الحالية على مستقبل العالم.

 لكن هذا لا يعني أن الوضع ميؤوس منه، بل على العكس يعطي الدول العربية والمسلمة فرصة للتدخل في النقاش السياسي الأمريكي والغربي ومواجهة هذا التفكير الإمبراطوري القديم، وخلق مناخ للحوار بين الدول المستقلة ذات السيادة بما يخدم مصالح الجميع ويضمن أمن واستقرار جميع الأطراف. ولكن يجب أن تقال الحقيقة أولاً وتصفو النيات حتى يصبح إصلاح الأوضاع ممكنا.

 * كاتبان من السويد