الأحد، 28 ديسمبر 2014

قد ضللنا حتما الطريق عندما يصبح الوطن هو الغاية والدين هو الوسيلة

قد ضللنا حتما الطريق عندما يصبح الوطن هو الغاية والدين هو الوسيلة
تهنئة غير المسلمين بأعيادهم "حرام" ولكن !!!!!!! ، دار الإفتاء ترى أنه واجب بدعوى الوحدة الوطنية .





اقترب عيد الكريسماس الذي يحتفل به نصارى مصر ، ومع قدومه بدأت الجرائد الرسمية - الأخبار والأهرام - في تهيئة الرأي العام بما تراه في نظرها هو صحيح الدين ، والذي يجب أن يكون عليه جميع المصريين ، وهو جواز تهنئة النصارى بأعيادهم ، ومبادلتهم المحبة ، زاعمة أن هذا من سماحة الإسلام ، مستغلة لذلك تصريحات وفتاوى كبار رجال الدين من الطرفين ،
وذلك ظنا منهم – هم ومن وراءهم - أن في ذلك وسيلة للمحافظة على وحدة الوطن وسلامته ،
وفي المقابل تأتي مواسم احتفالات نصارى مصر من كل عام مصحوبة بالحذر الشديد من مخططات الجماعات التكفيرية (الخوارج) لأية هجمات ارهابية من أعمال قتل وتفجير واستباحة للدماء بدعوى أن نصارى مصر حلال الدم ، وأنهم ليس لهم حرية التعبد في ديار الإسلام ، وأن الله أمر بقتلهم .


والإسلام الذي ندين الله به وسط بين هؤلاء وهؤلاء ، بين الإفراط والتفريط ، بين التشدد والتساهل .

فرداً على الفريق الأول من المتساهلين : فلم يأمر الله تعالى بتهنئة غير المسلمين بأعيادهم ، ولم يأمر بمحبتهم ، بل على العكس فقد وصف الله عباده المؤمنين في كتابه بأنك لا تجدهم يحبون أعداءه ، قال الله في سورة المجادلة : "لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ، ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم ، أولئك كتب في قلوبهم الإيمان ......" الآية .
ففي هذه الآية يمدح الله عباده المؤمنين بأنك لا تجدهم يوادون : أي "يحبون" من يعادي الله ورسوله من غير المسلمين حتى ولو كانوا قريبين منهم بدرجة الأب أو الابن أو الأخ أو العشيرة والتي يُــقصد بها هنا جماعة الرجل أو قبيلته ، فتتنزل الآية علينا نحن معشر المصريين ،
قال الشيخ السعدي – رحمه الله - في تفسيره : "أي: لا يجتمع هذا وهذا، فلا يكون العبد مؤمنا بالله واليوم الآخر حقيقة، إلا كان عاملا على مقتضى الإيمان ولوازمه، من محبة من قام بالإيمان وموالاته، وبغض من لم يقم به ومعاداته، ولو كان أقرب الناس إليه.
وهذا هو الإيمان على الحقيقة، الذي وجدت ثمرته والمقصود منه، وأهل هذا الوصف هم الذين كتب الله في قلوبهم الإيمان أي: رسمه وثبته وغرسه غرسا، لا يتزلزل، ولا تؤثر فيه الشبه والشكوك." تيسير الكريم الرحمن (ص: 848)

وأما من يتخبط ويزعم بأن نصارى مصر لا يعادون الله ورسوله فالجواب عليه بأنه لا يفهم معنى الإسلام وما يضاده من كفر ،
  • عن ابن عباس رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : قال الله : " كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك ، وشتمني ، ولم يكن له ذلك ، فأما تكذيبه إياي فزعم أني لا أقدر أن أعيده كما كان ، وأما شتمه إياي ، فقوله لي ولد ، فسبحاني أن أتخذ صاحبة أو ولدا "
       صحيح البخاري  - كتاب تفسير القرآن - سورة البقرة -  باب وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه

ورداً على الفريق الثاني من المتشددين : فإن الله قد أمر بقتال الكفار والمشركين المجاهرين بالعداوة والقتال لأهل الإسلام وعدم موالاتهم ، وأما من سالمنا من المهادنين منهم أمثال نصارى مصر - والذين تجمعنا بهم مصالح مشتركة - فإن الله قد أباح البر والإحسان إليهم ، والأدلة على ذلك كثيرة منها :
  • ما أخرجه البخاري في صحيحه في "كتاب:  الهبة وفضلها والتحريض عليها" في "باب : الهدية للمشركين وقول الله تعالى : لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ، ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم ، إن الله يحب المقسطين" 
  • عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما ، قالت : قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قلت : وهي راغبة ، أفأصل أمي ؟ قال : " نعم صلي أمك "
  • وعن مجاهد ، أن عبد الله بن عمرو ذُبحت له شاة في أهله ، فلما جاء قال : أهديتم لجارنا اليهودي ؟ أهديتم لجارنا اليهودي ؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " " ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه "
      سنن الترمذي  الجامع الصحيح  - الذبائح - أبواب البر والصلة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -  باب ما جاء في حق الجوار
  • وعن أنس رضي الله عنه ، قال : كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم ، فمرض ، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده ، فقعد عند رأسه ، فقال له : " أسلم " ، فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال له : أطع أبا القاسم صلى الله عليه وسلم ، فأسلم ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول : " الحمد لله الذي أنقذه من النار "
      صحيح البخاري  - كتاب الجنائز - باب إذا أسلم الصبي فمات
  • وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، قال : رأى عمر بن الخطاب حلة سيراء عند باب المسجد ، فقال : يا رسول الله ، لو اشتريتها ، فلبستها يوم الجمعة وللوفد ، قال : " إنما يلبسها من لا خلاق له في الآخرة " ، ثم جاءت حلل ، فأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر منها حلة ، وقال : أكسوتنيها ، وقلت في حلة عطارد ما قلت ؟ فقال : " إني لم أكسكها لتلبسها " ، فكساها عمر أخا له بمكة مشركا *
      صحيح البخاري  - كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها - باب هدية ما يكره لبسها

ففي الأدلة السابقة ما يدل على جواز تبادل الزيارة معهم أو زيارة المريض منهم أو الإهداء إلى القريب والجار منهم ، وذلك كله ليس على حساب ديننا بل مما أجازه الرسول ، ولعل في ذلك تأليفا لقلبه أو دعوة لإسلامه كما فعل الرسول عند زيارته الغلام اليهودي .

وأما الفريق الأول – من المتساهلين - والذي يذهب بعيدا مستدلاً بهذه الأدلة على جواز محبتهم أو تهنئتهم بأعيادهم أو زيارتهم فيها في كنائسهم ، فهذا من الباطل المردود المخالف لكلام الله الذي سبق ، وقد قال الله تعالى في وصف عباده الصالحين في آخر آيات من سورة الفرقان : "والذين لا يشهدون الزور" وجاء في تفسيرها أي : لا يشهدون أعياد المشركين وقال ابن سيرين : الشعانين .أ . هـــــ .
قلت : وهو عيد ما زال يحتفل به نصارى مصر إلى اليوم ويسمى أحد الشعانين .
وروى البيهقي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال" :لا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم فإن السخطة تنزل عليهم" .

قال ابن القيم رحمه الله في كتابه "أحكام أهل الذمة" ج: 1 ص: 441
"وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق ، مثل أن يهنئهم بأعيادهم، وصومهم فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد ونحوه فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات ، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب ، بل ذلك أعظم إثما عند الله وأشد مقتا من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرج الحرام ونحوه، وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك ولا يدري قبح ما فعل فمن هنأ عبدا بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه" أ . هــــــ .

وأما زعمهم بأن في تهنئة النصارى بأعيادهم ومحبتهم مصلحة الوطن ، ووحدة الصف ،
وأما جعلهم الوطن والمحافظة عليه هو الغاية ، وجعلهم الدين هو الوسيلة التي تذهب في سبيله ،
فهذا من الضلال المبين ، بل أكاد أجزم بأن دعواهم هذه هي السبب في ظهور الطرف المقابل من المتشددين ، ولكل فعل رد فعل كما هو معروف .

 فهل إذا كنت نصرانياً وقرأت مثل هذا التصريح للبابا من أن مستقبل الوطن أهم من مستقبل الأقباط هل سأمتثل لكلامه أو أصدقه ؟ بالطبع لا ،
بل سأقول أن البابا من رجال السلطة ولذا فقد باع دينه ، أو على أقل تقدير سأكون حسن الظن به وأزعم أنه يفعل ذلك من باب المداراة أو أنه مضطر لفعل ذلك ،
إن التفريط من جانب رجال الدين في التصريحات والفتاوى من الطرفين حتماً ستؤدي لنتائج عكسية ، وكل ذلك يفعلونه بدعوى الوحدة الوطنية .

نعم حب الوطن من الإيمان ، والاجتماع عليه مطلب ، فنحن نحب مصر لأنه وطننا الذي بحفظه نحافظ على عبادة الله من صلاة وصيام وزكاة وحج ، وأمر بالمعروف ونهي عن منكر ، وجميع شعب الإيمان ،
قال الله تعالى : "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" .
ولكن الوطن في النهاية هو وسيلة لإقامة شعائر الله ... هو وسيلة لفعل ما أمر الله به واجتناب ما نهى الله عنه ، لا لمخالفة أوامر الله والوقوع في ما حرم الله .

فاللهم احفظ مصر وأهلها من كل سوء ، ونجنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن ،
والحمد لله الذي هدانا لهذا ، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ،
والحمد لله رب العالمين .

هناك تعليقان (2):