كلهم خوارج [ الإخوان والعلمانيون ]
استمعت إلى فقرة فكرية في برنامج " البيت بيتك " وكان موضوعها يدور حول تصريحات بعض القيادات الإخوانية برغبتهم في إنشاء حزب مدني بمرجعية دينيـة ، واستضاف البرنامج المذكور أ/ صلاح عيسي ، و أ/ نبيل ذكي ، ولي على هذا الحوار ملاحظات أرجو من الله تعالي التوفيق في بيان بعضها على النحو التالي :
أولا ً : لازال مسلسل القلق الإخواني مستمرَّاً مابين شدَّ وجذب وإرخاء ، مابين هدوء وضوضاء ، مابين صعود وهبوط ، مابين قبول ورفض....، وهكذا يضيع الوقت والمجهود من كافة الأطراف المعنية ، وكل ذلك على حساب استقرار المجتمع ونهضته ، أو ربما تكون هذه الحالات مرتبة لإيجاد ما يسمي بالحراك السياسي أو الجدل السياسي القائم على حد تعبير ( البيضة الأول أم الفرخة ) فمثلا حدثت ظاهرة شغب طلاب الإخوان في الأزهر ، وارتفعت الأصوات وسودت المقالات النارية وتم اعتقال عدد من القيادات الإخوانية واستمر الاعتقال مدة من الزمن حتى قرأت منذ أيام الإفراج بواسطة المحكمة عن هذه القيادات أو بعضها ومنهم خيرت الشاطر وهكذا يستمر المسلسل والنتيجة لا شئ !!!!!
ثانيًا : فرقة الإخوان التي يدعونها محظورة وفي نفس الوقت شعاراتهم المحظورة وكتبهم وأفكارهم وإعلامهم يعم الأسماع ويملأ الفضائيات ، ومن العجيب أن استضافة الإخوان عبر وسائل الإعلام الخاصة تكون للإخوان بمفردهم دون خصومهم واستضافة خصوم الإخوان يكون للخصوم بمفردهم دون الإخوان ، كما حدث في البرنامج المذكور وغيره كبرنامج " حالة حوار ".
والمشاهد من خلال هذه البرامج وتلك لا يخرج بنتيجة شافية كافية بل ربما لم يخرج بشئ فخصوم الإخوان من العلمانيين أو السياسيين أو رجال الأمن يثبتون وقيادات الإخوان في الطرف الآخر بدون مواجهة ينفون ، وهكذا يجد المشاهد العادي وهو يمثل القاعدة العريضة من الجماهير نفسه بين نفي وإثبات فأي الطرفين أصدق ؟ !!!
ثالثًا : إن الزعم بعدم استضافة القيادات الإخوانية في الإعلام الرسمي في مقابل المعارضين لكون الإخوان فرقة محظورة من حيث القانون والنظام العام قد يكون زعمًا صحيحًا لو أن هذه الفرقة ممنوعة ومحظورة على أرض الواقع أما وإن الواقع يشهد بتواجدهم وانتشارهم فلا مجال لهذا الزعم ، وحينئذ تكون الحكمة والجرأة الإعلامية الرسمية باستضافتهم في مقابل معارضيهم معًا حتى يتبين للناس مدي صحة دعاوي الإخوان من عدمها .
رابعًا : لكن يبدو أن إعلامنا الرسمي ليس لديه قيادات فكرية تستطيع مجابهة الإخوان وإبطال دعاويهم وما أضعفها من دعاوي ، لذا يلجأ الإعلام الرسمي لما هو قائم الآن في نقد الإخوان من بُعد بدون مواجهة مباشرة بأقصر المسافات ، ومع هذا المبدأ الإعلامي - الذي في نظري فيه نظر ولا بد من مراجعته -
استطاع الإخوان كسب مساحات أوسع في أوساط المجتمع وازدادوا توغُلا ً في مرافقه معتمدين على محدودية الفكر وعاطفية المجتمع إضافة لإجادتهم اصطناع دور الحَمَل الوديع المظلوم دائمًا – ومما يدل على هذا التحليل :
أحداث الأزهر استغلت إعلاميًا وأمنيًا نوعًا ما وأحدثت شرخًا بسيطًا في نفوس الشعب المتعاطف معهم - و ما أسرع ما ينسي الشعب وما أغلب عاطفته علي عقله ، وقد كان من الممكن ترك أثر لا يمحي من ذاكرة الناس- فلو بحثنا في جذور هذا الحدث ولماذا تم بهذه الصورة وما هي مرجعيته ؟ خاصة وأن طوائف شتي من العلمانيين والمتاجرين بمصالح البلد فرغوا بشاعة الحدث وخطورته بزعمهم أن طلاب الإخوان فعلوا ما فعلوا نتيجة الضغوط الإدارية والأمنية إذن فهم ضحايا ممارسات رسمية خاطئة ، ولم ينتبه أحد إلى أن الحدث له مرجعية فكرية من أدبيات مؤسس الفرقة الإخوانية نفسه حيث ذكر في إحدى رسائله ( إن الإخوان المسلمين سيستخدمون القوة العملية حين لا يجدي غيرها ) كما لم ينتبه أحد إلى مدي ضعف الثقافة الأزهرية التي لم تستطع أن تواجه مثل هذه الأفكار التي غلبت الفكر الأزهري وأحدثت ما حدث في داخل القلعة العلمية الدينية في مصر ، إذن لا بد من مراجعة المناهج الأزهرية ومقارنتها بالأصول العلمية وقواعد الفهم التي كان عليها خير القرون المفضلة التي حسمت مثل هذه الظواهر الفكرية السلبية .
كما لا ننسي أحداث جنوب لبنان وما أحدثه الحزب الشيعي وزعيمه من فرقعة إعلامية وغزو فكري انساقت وراءها الغالبية المصرية الشعبية منها والفكرية حتى وجدنا صور الزعيم الشيعي على الجدران وفي البيوت والطرقات ووسائل المواصلات ولم يكن هذا الانسياق يحركه الإخوان فحسب بل بعض القيادات الأزهرية وبعض القيادات الفكرية المحسوبة على الحكومة وقطاع عريض من العلمانيين والليبراليين واستمر هؤلاء في غيهم ولم ينتبهوا إلا بعد ما رأوا مشاهد إعدام صدام فأحسوا أن المسألة أبعد مما يظنون من خلال حرية الفكر والتعددية المذهبية ، وإنما هي الطائفية الفارسية الشيعية القادمة سريعًا تريد احتواء المنطقة ، إضافة إلى ممارسات الحزب الشيعي اللبناني وزعيمه الذي يصر على زرع الشقاق وإشعال نار الحرب الأهلية بحصاره للحكومة اللبنانية والتي هي محل تأييد من كافة الدول إلا إيران الفارسية الشيعية وسوريا العلوية فأين إدعاءات الزعيم الشيعي للوحدة ودرء الفتنة وجمع الشمل ؟ فأين حمرة الوجه ؟ التي نطالب بها الإخوان من مواقفهم المؤيدة للشيعة وأين نفس الحمرة التي نطالب بها بعض القيادات الدينية والرسمية وبعض القيادات الفكرية والإعلامية التي سمحت بالتواجد الفكري الشيعي بدون ردع فكري مضاد يتناسب مع حجم انتشاره ؟
ففي غياب المواجهة السُنيّة لبدعة الإخوان استطاعوا من خلال الأطروحات العلمانية المضادة أن يكسبوا مساحات أكبر لأن العلمانيين متهمون شعبيًا ، كما أن الطرح العلماني نفسه فيه الفكر الخارجي ألم نسمع أ/ صلاح عيسي في البرنامج المذكور يقول : " أنه على الإخوان أن يصححوا من أوضاعهم وحينئذ سنقف معهم ونحارب الحكومة من أجلهم " إذن الكل خوارج اجتمعوا على السيف أي اجتمعوا على إثارة الفتن ، فتوفيق الإخوان لأوضاعهم لا يصح من الناحية الشرعية إلا بما يلي :
1. إعلانُ توبة صريحة عما بدر منهم عبر تاريخهم .
2. فضُّ تجمعاتهم وبيعاتِهم وانخراطُهم في الجماعة العامة التي يرأسها رئيس البلاد .
3. السمعُ والطاعةُ في المعروف لإمام مصر وحاكمها .
أما بدون هذه الثلاثة المذكورة فلن تهدأ الأوضاع في مصر وستبقي مصر رهينة لأي شرارة داخلية أو خارجية يعقبها فوضي عارمة ، وها هو حال الجيران أمامنا سقط العراق ، والسودان يُقسم ، والخليج يُهدد ، والصومال يُنسي ، والفلسطينيون يُحطم بعضهم بعضًا نتيجة غياب الأصل الشرعي المذكور سابقًا ألا وهو السمع والطاعة في المعروف لولي الأمر ، فستذكرون ما أقل لكم ، وأُفوض أمري إلى الله
محمود عامر
ليسانس شريعة – دبلوم في الدعوة
بعناية الأستاذ / محمد جمال الدين
لعدد الجمعة / 16/2/2007
ملحوظة هامة :
المقالات الصحفية خاصة لجمهور الصحف والمجلات ، يراعى فيها ما لا يراعى في المقالات الموجهة لطلبة العلم ، حيث في الاولى ، يترخص في ما ليس في الثانية وهذا للتنبيه .
محمود عامر |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق