خطبة الجمعة الأخيرة لفضيلة الشيخ هشام بن فؤاد البيلي -ثبته الله على الحق-،
والتي كانت بعنوان: (مصرنا بين أزمة دعاتها، وانحراف دستورها)،
وتحدث فيها الشيخُ -حفظه الله- عن الاستفتاء على الدستور ، وأن التصويتَ
بـ (نعم) جريمةٌ كبرى، واختيارٌ للجاهلية على شريعة رب العالمين..
وأن موقف أهل السنة: عدم المشاركة
في هذا الاستفتاء من أساسه: لا بـ (نعم)، ولا بـ (لا)؛ فإننا لا نشترك في هذه المنظومة
الجاهلية؛ فإن الاشتراكَ فيها تعاونٌ على رفع قدرها.
التفريغُ:
"ولهذا أين التناقض في علماء المسلمين؟! أين التناقضُ في علماء السنة؟!
ليس عندهم تناقضٌ، إنما كلامهم واحدٌ؛ لأنه كلامٌ ينبثقُ من كتاب الله وسنة رسول الله..
هل كفّروا يومًا بالقوانين الوضعية ثم هم يضعونها الآن؟!! هل كفّروا بالدساتير ثم هم
يصوِّتون عليها الآن؟!! ومَن لم يصوِّت عليها بـ (نعم) فإنه يكونُ كافرًا!!
وأنا أقولُ من على هذا المنبر: إن التصويتَ على هذا الدستور بـ (نعم) جريمةٌ
كبرى!! اختيارٌ للجاهليةِ على شريعة رب العالمين -سبحانه وتعالى-!!
أتدري لمَ تقول (نعم)؟!
تقول: (نعم) للديمقراطية، تقول:
(نعم) لسيادة القانون، تقول: (نعم) لحريات الفكر والاعتقاد، تقول: (نعم) للمواطنة القائمة
على غير تمييزٍ بين مسلمٍ وغيره.
لو قلّبتَ هذا الدستورَ في كل بنوده
وفقراته وكلماته لما وجدتَ الإسلامَ مُرجِّحًا في قضيةٍ من القضايا!! أعطني.. إنما
القانون هو الذي يرجِّح في كل بندٍ، حتى العقوبات؛ فإن العقوبات تكون بمقتضى ما يراه
القانون: إنْ رأى القانونُ عقابَ الزاني، عاقَبَ وإلا فلا.. إنْ رأى القانونُ عقابَ
السارق، فنعم وإلا فلا.
ليس هناك مادةٌ يكون الإسلام فيها
مرجِّحًا!!، ليس الإسلامُ مرجِّحًا.. حتى رئاسة الجمهورية!!؛ فليس من وصف الرئيس أن
يكون مسلمًا.. طب نختر الرئيس حتى!! ليكن عندنا بندٌ في بلدٍ مسلمٍ أن يكون الرئيس
مسلمًا..
لا، لقد رُفعت مادة الإسلام ومادة
الذكورية، فلو اجتمعت إرادة الشعب على اختيار الحاكم وكان نصرانيًا أو امرأةً، فإنه
يجب أن نسمعَ وأن نطيعَ!!
أهذا هو الدستور الذي تسمعون عنه
من العلماء!! والمشايخ!! على القنوات الفضائية أن صوِّتوا بـ (نعم)؟!!!
(نعم) لماذا؟!!
ولا: (لا)؛ فإننا لا نشترك في هذه المنظومة الجاهلية؛ فإن الاشتراكَ فيها
تعاونٌ على رفع قدرها، فلا: (نعم)، ولا: (لا)..
إنما (نعم) لشريعة رب العالمين،
إنما (نعم) لوضع كل أمر جاهلي تحت أقدامنا.
فإنْ قال قائلٌ: لكن البلد ستضيع،
وهذا من باب المصالح..
دعونا من شريعة مصالحٍ ومفاسدٍ
اخترعتموها، وتركتم شريعةَ الله، وكأنّ شريعة الله حين أمرتْ بالحكم بما أنزل الله..
لم تأتِ بالمصلحة!!، وكأنّ الله حينما قال: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ)
لم يأتِ بالمصلحة!!
إن المصلحة إنما تُعرَف من قِبَل
الشرع، وإن المفسدة لتُعرَف من قِبَل الشرع، ولهذا وضع العلماءُ لنا قواعدَ جليلة؛
لنفهم بها قضية المصالح والمفاسد..
ببساطةٍ جدًا، وإن شاء الله سيعلمها
كلُّ واحد فيكم:
1- ما دارَ الأمرُ فيه على أمر الشرع، فإنه مصلحةٌ كلُّه -خالصةٌ
أو غالبة- فلا يُنظر فيه بمنظور المصلحة أو المفسدة.. جميع أوامر الشرع مبنيةٌ على
المصلحة.
2- جميع نواهي الشرع مبنيةٌ على
المفسدة، فالمنهيات نهى الشارع عنها؛ لكونها مفسدة خالصة أو راجحة.
وعليه، فحينما أنظرُ في المصالح
والمفاسد، أستخرجُ الأوامرَ والنواهي، فما ثبتَ أمرًا أقول: سمعًا وطاعةً، وما ثبتَ
نهيًا فاجتنبوه، (فما أمرتكم به من أمرٍ فائتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عنه فانتهوا)،
(وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا).
وما لم يرد به أمرٌ أو نهي؛ فإنه
يُنظر فيه في المصلحة المرسلة، وشريطةُ العمل بالمصحلة المرسلة التي لم يأتِ أمرٌ باعتبارها
ولا أمرٌ بإلغائها.. شريطةُ العمل بالمصلحة: ألا تُعارِضَ نصًا شرعيًا ثابتًا في كتاب
الله أو في سنة رسول الله.
وعليه؛ فإننا نقول: الديمقراطية
والدستور والحكم بالقوانين الوضعية مما أمر الله أو مما نهى الله أو مما لم يتعلق بها
أمر أو نهي؟!!
الجوابُ من كل مسلمٍ لم تُلوِّثِ
الشبهةُ قلبه، ولم تُعمِ الشهوةُ بصيرته.. سوف يقول: أمَّا الأمر (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ
بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ)، وأمَّا النهي (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ).
وعليه؛ فإن الديمقراطية لا يُصوَّت
عليها بحالٍ من الأحوال، لا إثباتًا ولا نفيًا في التصويت، وإن كانت نفيًا في البراءة
منها". اهـ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق