بسم
الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده ،والصلاة والسلام على من لا نبى
بعده ، وبعد :
نقد
البيان (الثالث و الثلاثين) لمجلس شورى العلماء
=============================
قال تعالى : "وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ
مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ
تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً
فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ " آل عمران (187)
و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
الدين النصيحة ، قلنا : لمن ؟ قال: لله ولرسوله و لكتابه ولأئمة المسلمين و عامتهم
"رواه مسلم فى صحيحه من حديث تميم الدارى .
و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل
الجاهلين " رواه البيهقى وغيره وحسنه الألبانى .
أما بعد :
فهذا بيان للناس أردنا به أن نبرئ ذمتنا ، وأن
نؤدى حق الله علينا فى البيان والنصيحة لعامة المسلمين وأئمتهم ، ونعلم تمام العلم
أن هذا البيان سيجعل أعراضنا غرضاً لسهام النقد والسب والقذف والتجريح ، والاتهام
فى النيات ، بل وربما المروق من الدين والاتهام بالزندقة ، ولما لا ؟!
و نحن نتعرض لنقد أناس حسبتهم جماهير كثيرة من
الناس فى داخل البلاد و خارجها هم أئمة العلم وشيوخ الإسلام والسلفية ، فإذا ذكرت
السلفية عند العامة وأشباه طلبة العلم ، ما أظن أن ذهناً من أذهان المذكورين يلمح
سواهم ، وما ذلك إلا أثر من أثار الدعاية الإعلامية الخطيرة التى روجت لهم فى
سنوات القحط العلمى ، فوجدنا البساط يُسحب من تحت أرجل الكبار بعلمهم وخلقهم
وسمتهم ، فتوارى ذكر الأئمة ابن باز والآلبانى وعبد الرزاق عفيفى وابن عثيمين
وأضرابهم ، و حل محلهم أشباه علماء ، فإذا ذكر (العلماء الربانيون) وهى الكلمة
التى يتشدق بها كثير من المتكلمين فى دين الله عز و جل ، -وما أظنهم ينزلونها
منزلتها- إلا انتقلت الأذهان إلى الحاضرين فى الفضائيات والذين ملؤها ثرثرة وفضفضة
وكلاماً كقبض الريح ، فالتقى المعهود الذهنى مع المعهود الحضورى على أمر قد قدر
"وكان أمر الله قدراً مقدوراً " .
نقول : أيَّاً ما كان رد الفعل فإن الله ناصر
دينه وحملة رسالته الأمناء على وحى الله تعالى .
" إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ
آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ (51) يَوْمَ لا
يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ
الدَّارِ " غافر ( 51-52 ) .
لقد طالعنا البيان الثالث والثلاثون الذى أصدره
المجلس العرفى الذى سماه أصحابه
( مجلس شورى العلماء ) بأشد ما يكون الأسى
والأسف وذلك لما تضمنه من مخالفات شرعية ولما ترتب عليه من مفاسد وأضرار جسيمة
بالأمة كنا نتمنى أن ينأى عنها المتكلمون فى دين الله تعالى وبخاصة من انتسب إلى
السلفية .
(مناقشة البيان)
قال البيان : الحمد لله و الصلاة والسلام على
رسول الله وبعد ..
قال تعالى " والصلح خير"
" إن مجلس شورى العلماء يتابع الأحداث
الجارية على الساحة المصرية اليوم ، وما أدت إليه المواقف والقرارات الأخيرة من
مواجهات دامية بين أهل البلد الواحد ، وهذا لا يرضى الله أولاً ولا الناصحين
الأمناء فى هذه الأمة ثانيا، وبعد التشاور يطرح المجلس هذه الرؤية للخروج من هذه
الأزمة ، ولعودة الشارع إلى حالته الطبيعية ، ولتهدئة جموع الشعب المصرى ، وصيانة
لدمائه وأمواله وممتلكاته وتتمثل فيما يلى : "
نقول :
هذه الرؤية التى رأيتموها للخروج من الأزمة لمن
تقدمونها ؟
هل تقدمونها إلى جميع الأطراف أم تقدمونها إلى
ولاة الأمور الذين يملكون تنفيذها فعلاً ؟
من الواضح البيِّن أنها مُقدمة إلى ولاة الأمور
( أو من بيدهم الأمر بالفعل ) وفى هذه الحالة يصبح من الواجب عليكم أن توجهوا
النصيحة والرؤية مباشرة لولاة الأمور
( يعنى فى مواجهتهم - بينكم و بينهم - ) و كما
قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " كلمة حق عند سلطان "أخرجه أبو داود
والترمذى من حديث أبى سعيد الخدرى ، و"عند" تفيد الظرفية [ يعنى أن
تكونوا بحضرته ] ، والله - جل وعلا - قال لموسى وهارون : " فأتياه "
يعنى : فرعون " فأتياه فقولا له قولاً لينا " ما قال أعلنا فى البلد
والطرقات والتجمعات الإنكار على فرعون ، وحكام المسلمين أولى بذلك !!
وهذا الكلام ليس رأياً لنا رأيناه - معاذ الله -
بل هو قول الرسول صلى الله عليه وسلم " من أراد أن ينصح لذى سلطان فلا يُبده
علانية و لكن يأخذ بيده فيخلو به فإن قبل منه فذاك وإلا كان قد أدى الذى عليه
"
صححه الألبانى فى السنة لإبن أبى عاصم برقم (
1096 ’ 1097) .
وهى سنة غير مهجورة فقد عمل بها السلف رضوان
الله عليهم .
قال العلامة السلفى - بحق- الشيخ عبد العزيز بن
باز - رحمه الله تعالى - :
" ليس من منهج السلف التشهير بعيوب الولاة
وذكر ذلك على المنابر ؛ لأن ذلك يُفضى إلى الفوضى ، وعدم السمع والطاعة فى المعروف
، ويُفضى إلى الخوض الذى يضر ولا ينفع .
و لكن الطريقة المتبعة عند السلف : النصيحة فيما
بينهم وبين السلطان ، والكتابة إليه ، أو الاتصال بالعلماء الذين يتصلون به حتى
يوجَّه إلى الخير .
و إنكار المنكر يكون من دون ذكر الفاعل ، فيُنكر
الزنى ، و يُنكر الخمر ، ويُنكر الربا ، من دون ذكر مَنْ فعله ، ويكفى إنكار
المعاصى والتحذير منها من غير ذكر أن فلاناً يفعلها ، لا حاكم ولا غير حاكم .
و لما وقعت الفتنة فى عهد عثمان ، قال بعض الناس
لأسامة بن زيد - رضى الله عنهما- : ألا تنكر على عثمان ؟
قال : أأنكر عليه عند الناس ؟
لكن أنكر عليه بينى وبينه ، و لا أفتح باب شر
على الناس .
ولما فتحوا الشر فى زمن عثمان - رضى الله عنه -
وأنكروا على عثمان جهرة تمت الفتنة والقتال والفساد الذى لا يزال الناس فى آثاره
إلى اليوم ، حتى حصلت الفتنة بين على ومعاوية ، وقُتل عثمان وعلىٌّ بأسباب ذلك ، و
قُتل جمٌ كثير من الصحابة وغيرهم بأسباب الإنكار العلنى وذكر العيوب علناً ، حتى
أبغض الناس ولىَّ أمرهم وحتى قتلوه ، نسأل الله العافية " .
قلت : وهذا الحديث الذى ذكره فضيلة الشيخ ابن
باز - رحمه الله - أخرجه البخارى ومسلم فى صحيحهما ، عن أسامة بن زيد أنه قيل له :
ألا تدخل على عثمان لتكلمه؟
فقال : " أترون أنى لا أكلمه إلا أسمعكم ؟
والله لقد كلمته فيما بينى وبينه ما دون أن أفتح أمراً لا أحب أن أكون أول من فتحه
" وهذا سياق مسلم .
قال الحافظ فى الفتح (13/52) :
" قال المهلب : قوله : " لقد كلمته
سراً دون أن أفتح باباً " أى : باب الإنكار على الأئمة علانية ، خشية أن
تفترق الكلمة .... وقال عياض : مراد أسامة أنه لا يفتح باب المجاهرة بالنكير على
الإمام لما يُخشى من عاقبة ذلك ، بل يتلطف به وينصحه سراً ، فذلك أجدر بالقبول
" .
وقال الشيخ الألبانى :
" يعنى : المجاهرة بالإنكار على الأمراء فى
الملإ ؛ لأن فى الإنكار جهاراً ما يُخشى عاقبته ، كما اتفق فى الإنكار على عثمان
جهاراً ، إذ نشأ عنه قتله "
قلت : وقد بيَّن عبدالله بن عكيم أن ذكر مساوئ
ولى الأمر إعانة على قتله . وذلك حينما قال : (فيما رواه ابن سعد بسند صحيح)
" لاأعين على دم خليفة أبداً بعد عثمان ،
فقيل له : يا أبا معبد ! أو أعنت على دمه ؟
قال : كنت أعد ذكر مساويه عوناً على دمه "
وأنتم - أيها السادة - تستطيعون مقابلة من شئتم
من أولى الأمر ، وقد التقيتم الفريق السيسى بالفعل مراراً - وحتى بعد إخراجكم هذا
البيان- فى المبادرة التى أراد بها الأخوان إسقاطكم جماهيرياً بعد توريطكم مع
الحكومة بهذا البيان و الدليل على ما نقول : إنهم أنكروا ما ذكره الشيخ محمد حسان
، وقالوا : بل مطالبنا كانت تنحصر فى إرجاع الشرعية كاملة ولاعلاقة لنا بما قاله
حسان ومن معه ، وبعدها مباشرة قال محمد عبد المقصود عن الشيخ محمد حسان : "
طول عمرى بقول عليه عميل للأمن ، وديل الكلب عمره ما ينعدل " . ونعتذر عن نقل
هذه التفاهة والقباحة .
إذ " ناقل القباحة ليس بقبيح " على
غرار " ناقل الكفر ليس بكافر " .
ثم قال البيان :
أولاً : عودة الرئيس المنتخب من الشعب الدكتور
محمد مرسى إلى مكانه رئيساً للبلاد .
قلت : وبعرض ما ذكروه على الشرع يتضح الأتى :
1 – الرئيس السابق محمد مرسى كان رئيساً شرعياً
للبلاد ، انتخبته مجموعة من الشعب المصرى بالإنتخاب الحر ( كما يُقال فى
الديمقراطية الغربية ) و لكنه ما أصبح ولى أمر للبلاد شرعاً إلا حينما بايعه أهل
الحل والعقد
أعنى " أهل الشوكة والسلطان من الجيش وباقى
مؤسسات الدولة "
قال الإمام ابن تيمية فى منهاج السنة النبوية
(1/527) :
" الإمامة عندهم - يعنى أهل السنة - تثبت
بموافقة أهل الشوكة عليها ، و لا يصير الرجل إماماً حتى يوافقه أهل الشوكة عليها
الذين يحصل بطاعتهم له مقصود الإمامة ، فإن المقصود من الإمامة إنما يحصل بالقدرة
والسلطان ، فإذا بُويع بيعة حصلت بها القدرة والسلطان صار إماماً " .
و لهذا قال أئمة السلف : من صار له قدرة وسلطان
يفعل بهما مقصود الولاية ، فهو من أولى الأمر الذين أمر الله بطاعتهم ما لم يأمروا
بمعصية الله ، فالإمامة ملك وسلطان " .
ثم قال عن إمامة الصديق الأكبر (أبى بكر - رضى
الله عنه - ) :
" ولو قُدِّر أن عمر وطائفة معه بايعوه ،
وامتنع سائر الصحابة عن البيعة ؛ لم يصر إماماً بذلك ، وإنما صار إماما بمبايعة
جمهور الصحابه ، الذين هم أهل القدرة و الشوكة "
ثم قال رحمه الله (1/550) :
" و قد كان عمر بن عبد العزيز يختار أن
يُولِّى القاسم بن محمد من بعده ، لكنه لم يُطق ذلك ؛ لأن أهل الشوكة لم يكونوا
موافقين على ذلك " .
2 – البيان يفترِض أن ما حدث فى 30 يونيه كان
انقلاباً عسكرياً (كما يقول الإخوان و مناصروهم المنبثقون عن التنظيم الدولى
لجماعة الإخوان) .
والسؤال الذى ينبغى أن يوجه للسادة العلماء :
لنفترض جدلاً أن ما حدث كان انقلاباً عسكرياً ،
واستطاع الجيش بما معه من قوة وسلطة - نسأل الله أن يديمها عليه ويحفظها
لخيرالإسلام والمسلمين - استطاع أن يستولى على الحكم ، ودانت له البلاد ، ألا
يُعتبر حينئذٍ حاكما متغلباً ؟؟
نقول : بلى ، يصبح حينئذ حاكماً متغلباً .
والسؤال الأن : ما حكم الحاكم المتغلب عند أهل
السنة والجماعة أيها السلفيون ؟
قال الإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - :
" الأئمة مجمعون من كل مذهب على أن من تغلب
على بلد أو بلدان ، له حكم الإمام فى جميع الأشياء ، ولولا هذا ما استقامت الدنيا
؛ لأن الناس من زمن طويل قبل الإمام أحمد إلى يومنا هذا ، ما اجتمعوا على إمام
واحد ، ولا يعرفون أحداً من العلماء ذكر أن شيئاً من الأحكام لا يصح إلا بالإمام
الأعظم " الدرر السنية (9/5) .
والأئمة فى ذلك يستدلون بأحاديث عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم منها ما رواه البخارى فى صحيحه (7052) من حديث عبد الله بن
مسعود - رضى الله عنه - قال : قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنكم
سترون بعدى أثرة و أموراً تنكرونها " قالوا : فما تأمرنا يا رسول الله ؟
قال :" أدُّوا إليهم حقهم و سلوا الله حقكم
".
قال ابن بطال - رحمه الله - :
و فى الحديث حجة فى ترك الخروج على أئمة الجور ،
ولزوم السمع والطاعة لهم ، والفقهاء مجمعون على أن الإمام المتغلب طاعته لازمة
"
قال ابن قدامة المقدسى فى (المغنى) :
" ولو خرج رجل على الإمام فقهره وغلب الناس
بسيفه حتى أقروا له وأذعنوا لطاعته وتابعوه ، صار إماماً يحرم قتاله والخروج عليه
؛ فإن عبد الملك بن مروان خرج على ابن الزبير فقتله واستولى على البلاد وأهلها حتى
بايعوه طوعاً وكرها ، فصار إماماً يحرم الخروج عليه ؛ وذلك لما فى الخروج عليه من
شق عصا المسلمين وإراقة دمائهم وذهاب أموالهم .... فمن خرج على من ثبتت إمامته
بأحد من هذه الوجوه كان باغياً ووجب قتاله " .
قلت :
مما سبق يتضح أن الإجماع قد وقع على أن الحاكم
المتغلب يجب طاعته وعدم الخروج عليه (يعنى الذى أخذ السلطة عنوة ممن يستحقها ،
وبغى على الحاكم السابق وظلمه) ولو كان الحاكم المظلوم أفضل من الدكتور مرسى -
الذى لم يحكم بما أنزل الله - بملايين المرات ، وذلك ما حدث فى عصر الصحابة الكرام
- كما ذكر الإمام ابن قدامه سابقاً - عندما بايع عبد الله بن عمر وغيره من الصحابة
لعبد الملك بن مروان بعدما تغلب على عبد الله بن الزبير - رضى الله عنه - وأين عبد
الملك بن مروان من عبد الله بن الزبير الصحابى الجليل ؟!
فإذا عقدنا مقارنة بين ما حدث فى عصر الصحابة
وما حدث فى زماننا هذا ، فنقول:
أين الرئيس مرسى من الصحابى الجليل المبغىِّ
عليه عبد الله بن الزبير فى الخير والصلاح والدين ؟! وأين ما فعله الفريق أول عبد
الفتاح السيسى ؛ بل ومعه مبارك والسادات وعبد الناصر مما فعله عامل عبد الملك بن
مروان - أعنى الحجاج بن يوسف الثقفى - الذى صلب
عبد الله بن الزبير وحرق الكعبة وقتل 120 ألف
صبراً ؟!
إذا ثبت ما سبق ، وهو ثابت لاشك فيه ؛ فهل يصح
للسادة العلماء شرعاً أن يجهروا للحاكم المتغلب علانية وأمام العالم كله ويُنشر
ذلك على الشبكة العنكبوتية ويصل إلى كل مكان ويطالبونهم بالرجوع إلى ما يدعون أنه
الحق وهو عودة الرئيس المنتخب من الشعب الدكتور محمد مرسى إلى مكانه رئيساً للبلاد
ويطالبونهم بمجموعة من المطالب هى فى الأصل مطالب جماعة الإخوان المسلمين ؟!!
أقول :
أين الدليل - أيها السادة - من كتاب الله وسنة
رسوله صلى الله عليه وسلم وعمل السلف وأقوالهم - الذين تدعون انتسابكم إليهم - على
ما تقولون ؟! وما موقفكم من الإجماع السابق نقله والذى لا أظنكم تشككون فيه ولا
يسعكم مخالفته ؟!
أم أن الديموقراطية الغربية هى التى تحرك فتاوى
مجلس شورى العلماء !!
3 – ما سبق ذكره كان رداً على الإفتراض القائل
أن ما حدث كان انقلاباً عسكريا كما حدث فى عهد الملك فاروق حينما انقلب مجموعة
الضباط الأحرارعلى الملك فاروق الحاكم الشرعى - وقتها - للبلاد ، وكان الملك فاروق
يديرالبلاد بنظام ديمقراطى تشرئب إليه أعناق الساسة الديمقراطيين فى زماننا هذا
ولا يدركون غباره ، والغريب أن الإخوان هم الذين وقفوا مع الإنقلاب وأيدوه ! ولم
يقفوا مع ما يسمونه - هم - الآن بالشرعية ولا مع إعادة الملك فاروق ( ربما لأنه لم
يكن هناك رابعة ولا أردوغان ) !!
أما جماعة أنصار السنة المحمدية فقد بايعت
الحاكم المتغلب بعد أن استتب له الأمر، ودانت له البلاد ( لأنها وقتئذٍ كانت جماعة
على الجادة تعمل بمنهج أهل السنة والجماعة ، وانظر كتاب الحاكمية والسياسة الشرعية
ص119 لتقف على حقيقة ما ذكرت لك ويتبين لك الفرق بين السلفيين والإخوان بياناً لا
لبس فيه ، وذلك قبل أن تختلط المناهج وتنشأ شركة مساهمة إخوانية برأس مال تشارك
فيه كل جماعة بنصيب من التنازل عن ميراثيها من النبى صلى الله عليه وسلم ولذلك
وجدنا أحد المؤسسين لجماعة أنصار السنة المحمدية وهو الشيخ العلامة الأزهرى
والقاضى الشرعى ومحدث الديار المصرية أحمد محمد شاكر - رحمه الله- يقول عن جماعة
الإخوان المسلمين كما فى كتاب " تقرير عن شئون التعليم والقضاء مقدم لجلالة
الملك عبد العزيز آل سعود " نشره مكتبة الإمام البخارى
قال (ص48) :
" حركة الشيخ حسن البنا وإخوانه المسلمين
الذين قلبوا الدعوة الإسلامية إلى دعوة إجرامية هدامة ينفق عليها الشيوعيون
واليهود كما نعلم ذلك علم اليقين " .
ونظن أن الشيخ أحمد شاكر العالم بالرجال
والمقالات والفرق ، والذى لا يخشى فى الله لومة لائم - نحسبه كذلك ولا نزكيه على
الله - ما يجرؤ على النطق بهذه الكلمات إلا إذا كان لديه من الأدلة ما يستطيع به
أن يدلى بحجته بين يدى ربه ، " يومَ تأتى كلُّ نفسِ تجادلُ عَنْ نفسِها "
(النحل 111) .
قلت :-
وليست هذه المقولة وحدها هى التى أثرت عنه بل
هناك مقالة خطيرة - عمل الإخوان ومناصروهم على إخفائها - كتبها فضيلته فى جريدة
الأساس بتاريخ 2/1/1949 م ، بعد مقتل رئيس الوزراء النقراشى ، وقام الشيخ-رحمه
الله- بفضحهم ولذلك لجأوا إلى التهديد بالقتل تم تعيين حراسة على منزل الشيخ رحمه
الله لحراسته من جماعة الإخوان (هل يعلم السلفيون هذه الحقائق عن شيخهم ؟؟) راجع
كتاب الحاكمية و السياسة الشرعية (ص 266 ) لتقف على المقال والتعليق عليه بعنوان
"الإيمان قيد الفتك"
4 – قلت فيما سبق :
ما سبق كان بإفتراض أن المجلس العسكرى بقيادة
الفريق أول السيسى قد قام بإنقلاب عسكرى مماثل لما قام به البكباشى جمال عبد
الناصر فى عهد الملك فاروق - رحمهما الله - فهل كان الأمر كذلك حقاً ؟
أم أن ما حدث كان قريب الشبه - إن لم يكن هو هو-
مما حدث فى 28 يناير 2011 ،والذى حدث فى 28 يناير 2011 هو خروج الشعب - عدد كبير
منه - على الحاكم الأسبق (مبارك) - وأصبح الجيش أمام خيارين :
إما أن يقوم بعزل الرئيس ( بإقناعه أو بإجباره )
وإما أن يقوم بضرب المتظاهرين وقمعهم ، وانحاز
الجيش إلى الخيار الأول ، لأنه أقل المفسدتين – فى نظره و تقديره - وانتهى الأمر
بخروج الحاكم ومن معه بدون إطلاق رصاصة واحدة ، فلم يكن لدى الحاكم الأسبق (مبارك)
ميليشيات أو مجلس لشورى العلماء ، أو هيئة شرعية للإصلاح تسانده ، وأنتهى الأمر
بحمد الله تعالى .
وفى 30 يونيه 2013 خرج الشعب - عدد كبير منه على
الحاكم السابق للبلاد - وأصبح الجيش بين خيارين كماحدث فى 28 يناير تماماً . وما
كان للجيش أن ينحاز فى هذه المرة لحاكم ليس بينه و بين الجيش ما كان بين الجيش
وبين مبارك القائد والرمز بالنسبة لرجال القوات المسلحة الباسلة ، فلقد سن المجلس
الأعلى للقوات المسلحة بقيادة المشير طنطاوى سُنة لن يستطيع من بعدهم أن يغيروها ،
ألا وهى : " الانحياز الدائم للشعب " .
نقول :
فما الفرق بين ما حدث أولاً وما حدث آخراً حتى
تصمتوا فى 28 يناير 2011 وتصدروا بياناً فى 7 يولية 2013 يوافق هوى الإخوان ،
والأصل أنه " لا يفرق بين المتماثلات " ؟!!
أم أن الفرق بين الحالين عندكم هو أن مرسى كان
حاكماً شرعياً للبلاد وحسنى مبارك لم يكن حاكماً شرعياً للبلاد ؟
وحينئذ سيتوجه إليكم السؤال التالى :
كيف فرقتم بين المتماثلات ؟
ولن تستطيعوا أن تجيبوا بأن الأول كان منتخباً
من الشعب والثانى لم يكن منتخباً بل كان متغلباً بالقوة . فقد أجبناكم قبل ذلك عن
حكم الحاكم المتغلب الظالم الفاسق عند السلف (والعهد قريب فما أظنكم نسيتموه)
وأعيذكم بالله أن يكون سبب التفريق هو كفر حسنى مبارك ، وإلا فسيتوجه إليكم السؤال
التالى :
وما سبب كفره ؟ ولن تجدوا إلّا ما يدندن حوله
الإخوان القطبيون ، وهو أنه يحكم بغير ما أنزل الله ويوالى أعداء الله ...إلخ ،
القائمة التى حفظناها عن القطبيين .
وساعتئذ سنقول لكم : حنانيكم أيها السادة !!
وهل حكم مرسى بالشريعة أو ترك أو تبرأ من موالاة
أعداء الله .. إلخ ؟ ، أم أن من حكم من الإخوان ولو بحكم الطاغوت كان حاكماً
شرعياً ، ومن حكم من غيرهم كان حاكماً طاغوتياً ، ولو حكم بالشريعة كما هو شأن
حكام السعودية ، ومع ذلك يكفرهم القطبيون والسروريون كما هو معلوم .
قلت :
إن أهل الشوكة والسلطان ، ويمثلهم فى زماننا
المجلس الأعلى للقوات المسلحة - حفظها الله - هم الذين قاموا بخلع الرئيس لمصالح
رأوها ؛ فأمرهم يختلف عما قام به تنظيم الضباط الأحرار فى سنة 1952 ، فقد كانوا لا
يمثلون أهل الحل والعقد نظراً لصغر رتبهم ،ولذلك قاموا بليل وفى السر والخفاء بعكس
ما فعله أهل الشوكة والسلطان فقد فعلوه فى العلن ، وأنذروا الرئيس مراراً قبل أن
يتخذوا قراراتهم ، وحينما قاموا بعزله لم يذكروا حتى اسمه ، بل قاموا بتعطيل
الدستور وإلغاء المؤسسات المنتخبة بما فيها الرئيس ، فخرج الشعب مؤيداً لما فعلوه
، كما أيدوه هم ، فإن لم يكن هؤلاء أهل حل وعقد ؛ فمن هم أهل الحل والعقد ؟؟
ستقولون : إن العلماء هم أهل الحل والعقد .
والإجابة على هذا السؤال كالتالى :
أ – كان فى زمان الخلافة الراشدة أهل الحل
والعقد هم أهل العلم والإيمان ، وفى نفس الوقت هم أهل الشوكة والسلطان ، ثم حدث
انفصال فيما بعد بين العلم والسلطان ، وهذا واقع ما له من دافع ، فكما أن السلطان
الحاكم لم يكن هو أفضل الناس ولا أولاهم بالحكم بعد عصر الخلافة الراشدة ، كان
كذلك أهل الحل والعقد ليسوا هم أولى الناس بكونهم أهل حل وعقد واستمر الأمر فى
التدنى إلّا فى بعض الأحوال والأزمنة التى أراد الله تعالى أن يُنفس فيها عن
الأمة- كما قال الحسن البصرى-فحديثنا عن الواقع لا عن الواجب كما تقرر ذلك فى حكم
الحاكم المتغلب .
ب – إذا تقرر ما سبق فنقول أيضاً زيادة فى
البيان :
إن قلتم : إن العلماء والدعاة هم أهل الحل
والعقد كما جاء ذلك فى ميثاق الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح صفحة 67 ( وهذا ما
تدندنون حوله دائما ) .
فنقول لكم : أى علماء تعنون ؟
هل هم مجلس شورى العلماء ، ذالكم المجلس العرفى
المُفتئت على السلطة الحاكمة فى البلاد ؟!
و أين يا حضرات الفقهاء فى دولة محترمة يُقام
مجلس لشورى العلماء بدون إذن من ولاة الأمور؟!
و هل هؤلاء هم علماء الأمة وحدهم ؟! وما حكم (
الألف و اللام ) فى كلمة ( العلماء ) هل هى للاستغراق أم ماذا تعنى ؟!
وهل هم علماء مجتهدون توافرت فيهم شروط الاجتهاد
؟! اذكروا لنا اسم واحد منهم توافرت فيه شروط المجتهد فى النوازل ؟!
آلشيخ يعقوب ؟! أم الشيخ حسان ؟! أم الشيخ وحيد
بالى ؟! ..إلخ .
بإستثناء رجلين أو ثلاثة ربما يكونون من أهل
الفتوى فى بعض تخصصاتهم ، لكن الاجتهاد !! الأمر صعب جداً ، وما أظن أن رئيس
المجلس نفسه يدعيه لنفسه .
ثم أليس الأزهر هو الهيئة العلمية الرسمية
القائمة على شئون الدعوة والفتيا فى البلاد ، والتى قد تدخل فى اسم أهل الحل
والعقد ؟!
وقد اتفقت هذه الهيئة مع أهل الشوكة والسلطان
على خلع رئيس البلاد نظراً لما يترتب على استمراره فى السلطة من فتن ، رأوا هم -
وحسابهم على الله - أن استمراره فى السلطة يعرض البلاد لخطر داهم فأقبلوا على ما
أقبلوا عليه ؛ كما حدث فى يناير 2011 حينما خلعوا مبارك ، وباركتم هذا الخلع .
ولماذا نذهب بعيداً ولا نستدل بما وافق عليه
شيوخ السلفية فى العصر الحديث ؟
ألم يقم علماء السنة بالفتيا لأهل الشوكة
والسلطان بخلع الملك سعود ولم يظهر من الرجل كفر بواح ؟!
و لكن أهل الحل والعقد والمعنيون بالأمور
والمطلعون على خفاياها وبواطنها علموا أن استمراره فى الحكم سيعرض البلاد لخطر
داهم أيام حرب مصر فى اليمن ، فأقدموا عليه - و حسابهم على الله - .
5 – الفتاوى - كما تعلمون - يُنظر فيها إلى
المآلات القريبة والبعيدة ، فهل فكرتم فى مآل هذه الفتوى ؟
اولاً : يُنظر إلى جانب المجلس العسكرى :
تصوروا لو تم قبول هذه الفتوى من المجلس العسكرى
، وأعادوا مرسى إلى السلطة ، فهل سيتحقق ما ذكرتموه فى ديباجة البيان (33) من :
" لعودة الشارع إلى حالته الطبيعية ،
ولتهدئة جموع الشعب المصرى وصيانة لدمائه وأمواله و ممتلكاته "
فهل كان الشارع كذلك حتى جاء الإنقلاب العسكرى ؟
أم أن ما حدث هو خروج ملايين يوم 30 يونيه كما
خرجت يوم 25 يناير إن لم تكن أكثر منها ؟
فهل إعادة الوضع كما كان عليه سيترتب عليه ما
زعمته الفتوى ؟!
أم أن رجوع الجيش فى قراراته سيقلب البلاد رأساً
على عقب ، وسيقوى من بأس الجماعات التكفيرية وبطشها وتنفيذها لما هددت به قبل 30
يونيه ( وتذكروا تهديدات صفوت حجازى والبلتاجى وعاصم عبد الماجد وطارق الزمر ومحمد
عبد المقصود وغيرهم ) وفى هذه الحالة لن يخافوا من الجيش فقد ثبت أن الجيش أخلى
يده من حماية الشعب الكافر - كما يزعمون - الذى لا حرمة له عند السادة علماء
الإخوان ومناصريهم ، الذين لا ينظرون إلّا إلى دماء الإخوان فقط ، فهى دماء ممتازة
، أما المعسكر الآخر الذى يضم الملايين فليس إلا حفنة من النصارى والعلمانيين
والليبراليين والفجار والعملاء والفلول والبلطجية الذين لا عصمة لهم ولا عصمة
لدمائهم كما قال قريباً من ذلك بيان التنظيم الدولى المنعقد فى اسطنبول والذى
سنتعرض إن شاء الله لنقده ( وهو البيان الذى أيدتموه كما قال الدكتور محمد يسرى)
وحينئذ سيكون رجوع المجلس العسكرى عن قراراته حافزاً لدى السلطة الجريحة - أعنى
مرسى و إخوانه - لعزل كبار العسكريين ورجال الشرطة والمخابرات العامة والحربية
ورجال الأزهر وعلى رأسهم شيخه وكبار رجال القضاء والنائب العام ، بل وشيوخ حزب
النور ..إلخ ، ومحاكمتهم والتنكيل بهم بتهمة الإنقلاب على الشرعية ، والتآمر على
الرئيس المنتخب .
و حينئذ - أيها الفقهاء العظام - من يضمن لكم
عدم انشقاق الجيش المصرى وخروج كتائب منه ضد الإخوان وأعوانهم ؟!!
وساعتها نكون قد تحولنا إلى سوريا أخرى بفتوى
رجال لا يعرفون لا الواقع ولا الواجب فى الواقع ، وصدق رسول الله صلى الله عليه
وسلم " إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة "
قلت : هذا إن أخذ المجلس العسكرى بفتواكم - أدام
الله فضلكم - .
ثانياً : إن لم يأخذ القائمون على أمر البلاد
بفتواكم ، وهذا حدث بالفعل ، فلم يلتفتوا إليها قط ، فمن أنتم عند هؤلاء ؟
فهم إن أرادوا الفتوى الشرعية عندهم مجمع البحوث
الإسلامية وشيخ الأزهر ولجنة الفتوى بالأزهر ، وعندهم المفتى ودار الإفتاء وعلماء
الأزهر ، وفيهم علماء كبار فى جميع المذاهب ، وفيهم من لا تستطيعون أن تقولوا عنه
إنه من علماء السلطة بل تقبلون يده - كالدكتور أسامة عبد العظيم مثلاً - .
فلماذا ينظرون إليكم ؟ أغركم أنهم تقابلوا معكم
قبل ذلك ؟ هذا كان من باب السياسة فقط ولفترة محدودة ؛ فقد تقابلوا معكم كما
تقابلوا مع من يُتسمون بشباب الثورة ، وبعد زوال هذه الفتن لن تستطيعوا المرور
ببابهم أصلاً .
لماذا لم تفهموا هذا ؟ ووالله ، حتى الإخوان
كانوا إذا استتب لهم الأمر سيعاملون السلفيين أسوأ مما كان يعاملهم مبارك ، وعندى
على ذلك أمارات وأدلة ، منها على سبيل المثال لا الحصر أن قسم متابعة النشاط
المتطرف فى جهاز الأمن الوطنى الذى أعاده الرئيس مرسى فى نفس الوقت الذى قام فيه
بإلغاء نشاط متابعة الإخوان تماماً ، فمن هم المقصودون بالنشاط الدينى المتطرف ؟!
ليس بالطبع علماء الأزهر والأوقاف وإنما هم أنتم
أيها السلفيون .
أقول :
إن لم يأخذ القائمون على البلاد بفتواكم فمن هم
المستفيدون منها ؟ بل من هم المخاطبون بها أصلاً ؟
إنهم الشباب المغرر بهم من قبل الإخوان وأعوانهم
، فهؤلاء الشباب بدلاً من أن تقولوا لهم " كفوا أيديكم " و" الزموا
بيوتكم " و" لا تنزعوا يداً من طاعة لأولياء الأمور المتغلبين "
و" هذه فتنة " كما يقول أهل السنة والجماعة السلفيون بحق .
بدلاً من هذا كله يجدون فى فتواكم هذه ما
يستدلون به ويقولون :
أفتانا مجلس شورى العلماء وفيه من المشاهير فلان
وفلان .... ، بأننا على حق ؛ لأن الحق هو إرجاع مرسى إلى الكرسى ، وإن سالت الدماء
وخربت البلاد ، أليس هو صاحب الولاية الشرعية ؟
ملاحظة :- كان البيان رقم (33) لمجلس شورى
العلماء الذى نحن بصدد نقده يوزع على الناس فى اعتصام رابعة العدوية . "
ويقول بيان " اسطنبول " الذى وافقتم
عليه أيها السادة الفقهاء :
" الواجب المتعين على أهل كل دين وملة من
المصريين ، وعلى المسلمين منهم خاصة السعى فى استنقاذه - الرئيس مرسى - ورده إلى
ولايته ورفع الظلم عنه "
و بناءً على فتواكم هذه خرج من أقنعناه بعدم
الخروج وثبت فى مكانه - فى رابعة وغيرها - من كانت تراوده نفسه على الرجوع من هذه
الاعتصامات ، أرأيتم مآل فتواكم هذه ؟!!
اعتديتم على منهج أهل السنة ولوثتم السلفية التى
تنتحلونها وجعلتم سبيل الله معوجة ولم تحافظوا على دماء الشباب وأدخلتم البلد فى
نفق مظلم ، وصدرتم للعالم الخارجى صورة عن مصر وكأنها تخوض حرباً أهلية مما يعرضها
للتدخل الأجنبى ، فتحملتم أوزار هذه الجموع التى خرجت تطبيقاً لفتواكم ، أرأيتم
إلى ما آلت اليه فتواكم على جميع الأحوال ؟
إن أخذ بها المجلس العسكرى فقد خربت البلاد ،
وإن لم يأخذ بها المجلس العسكرى فقد قُتل العباد ، فهى على جميع أحوالها فتوى تُسبب
الفتن والخراب للبلاد والعباد ، فهى كمثل عبد السوء الذى قال الله عنه "
أينما يُوجههُ لا يأتِ بخيرٍ " (النحل 76) .
6- وأما عن قولكم فى البيان : (( ايقاف حملة
الإعتقالات ، والإفراج عن جميع المعتقلين فى هذه الأزمة الأخيره )) .
فنحن معكم ضد الإعتقالات العشوائية ، وضد الظلم
، وضد مصادرة حريات الناس بدون وجه حق ، بل لا نظن مسلما يخاف ربه يوافق على الظلم
أو الإعتقالات بدون جرم ارتكبه من وقع فى حقه الإعتقال ، ولكن ........
لِمَ لَمْ تنظروا إلى الاتهامات الموجهة إلى
قيادات الإخوان ، وعلى رأسهم الدكتور محمد مرسى ، وقلتم فى فتواكم : (( الإفراج عن
المعتقلين )) ؟
أظنكم ستقولون :
إنها اتهامات كاذبة ، وأقول لكن : قد يكون !!
ولكن ، قد تكون أيضا حقيقية فما أدرانا ؟ هل
تعلمون الغيب ؟ ولماذا لا تكون حقيقية ، وبخاصة إذا نظرنا إلى الحملة الشرسة من
أمريكا والإتحاد الأوروبى على الجيش المصرى ؟!
ألم تسألوا أنفسكم : منذ متى وأمريكا تقف مع
الإسلاميين ؟!
أليس فى هذا ما يدعو إلى الريبة ؟!
ولماذا لم تقف مع حسنى مبارك حليفها لمدة ثلاثين
عاماً ؟!
وتقف مع مرسى الذى لم يمكث فى الحكم إلا سنة
واحدة ؟!
ما هو السر ؟! وما هو السر فى تصرف مرسى
والإخوان بعدم مبالاة فى الفترة الأخيرة ولم يأبه للإنذارات التى وجهها إليه
الفريق السيسي ولا للحملة الشعبية التى قادتها تمرد وكانت كل المعلومات فى الداخل
والخارج تشير إلي أن أموراً خطيرة ستحدث فى 30 يونية ومع ذلك لم يحرك الرئيس
المعزول ساكناً ، بل حتى لم يمتص غضب الجماهير ويُفوَّت الفرصة على خصومه
والمتربصين به ؟!
هل كان وراء هذه الثقه وعدم المبالاة ما يشاع عن
مساندة أمريكا له وللإخوان فى مقابل تنفيذ الخطة الشيطانيه ( الأمريكية الإخوانيه
) لإيجاد الوطن البديل للفلسطينيين فى سيناء ، وحل مشكلة الدولة العبرية ؟
وهذا أمر حينما سمعناه قلنا فى أنفسنا :
هل من الممكن حدوث ذلك ؟! وممن ؟! من الجماعة
التى صدَّعت رؤسنا بالكلام عن القضية الفلسطينية - منذ نشأتها - ؟!
وإن كان هذا الكلام صحيحاً فما أظن أن مناصريهم
ممن يدعون السلفية يعلمون خبيئة الأمر ، حتى هالنى ما سمعته من قطب من أقطاب
السلفية ، وذلك فى حوار مع أحد إخواننا حينما قال له أخونا : لماذا يقف معكم
الأمريكان ؟ هل الأمريكان يريدون إقامة الدولة الإسلامية ؟
فقال السلفى المناصر للإخوان : هؤلاء لا يهمهم
إلا مصلحتهم .
قال أخونا : وما هى مصلحتهم مع الإخوان ؟
ثم قال ساخرا : " أكما نسمع من الصحف
ووسائل الإعلام من أنهم سيوجدون الوطن البديل للفلسطينيين فى سيناء ؟
وهذا إن كان حقا فهى خيانة كبرى للأمة ، وقد كان
الشيخ حامد الفقى مؤسس جماعة أنصار السنة المحمدية يقول عنهم - وذلك فى زمان وجود
حسن البنا - : (( إنهم خوان المسلمين )) من الخيانة !!
فقال السلفى المناصر للإخوان لأخينا :
وهل تُعد هذه خيانه ؟ مشكلتكم أنكم تأثرتم
بالدعاية الوطنية ، وبمسألة الحدود ، ثم أفاض فى بيان كون هذه الحدود مصطنعه وهى
من عمل المستعمرين ، وأرض الإسلام لا فرق فيها بين مصر وفلسطين ، واستمر فى الكلام
حتى جاء إلى مربط الفرس ( كما يقولون ) فقال :
وما المانع من أن نحل مشكلة إخواننا الفلسطينيين
ونجعلهم فى سيناء ، ويؤذن لنا من الخارج فى إقامة الدولة الإسلامية ثم نعد العدة
" وأَعِدُوا لَهمْ ما استطعتُم " (الأنفال 60) ، ونقوم بعد ذلك بفتح
فلسطين فيما بعد .. يعنى نعطى إسرائيل فلسطين كاملة فى مقابل الحصول على موافقه
دولية لإقامة دولة إخوانية كانت فى السابق محظورة !!
قلت : يا لها من صفقة مجرمة خائنة أثيمة أثبتت
أن الإخوان خونة كما قال الشيخ حامد الفقى وكما قال الشيخ أحمد شاكر (( كما نقلناه
عنه سابقاً ))وهما من أعلم الناس بحقيقة الإخوان .
والسؤال : أيها السادة الفقهاء !!
أعلمتم بهذه الصفقة قبل أن تقولوا : (( إيقاف
حملة الإعتقالات ............))؟
وإذا علمتم فهل أعلمتم الشعب المصرى بهذه الصفقة
؟
وسؤال أخر :
إن علم قادة الجيش وأجهزة المخابرات بهذه الصفقة
الأثيمة الخائنة - هذا على تسليم كون رواية القطب السلفى صحيحة وهو يعلم حقيقتها -
فما الواجب عليهم ؟ أيتركون السلطة فى يد رجال فى نظرهم وفى نظر الشعب - إن علم
حقيقتهم - خونة أم يقومون بخلعهم ومحاكمتهم ؟
هذا هو السؤال الذى نحتاج من حضراتكم أن تجيبوا عليه
. فهل وقفتم على حقائق الأمور كاملة ؟
وهل عرفتم المؤامرات التى تحاك لأمة الإسلام
والعرب - وفى قلبها مصر - أم تهجمتم على الفتيا من أجل أن يكون لكم قول سائر بين
الناس ، حتى لا تُتهموا بأنكم خارج الأحداث ، حتى وإن كان قولكم سيترتب عليه شر
مستطير ، وتتكلمون فيما لا تعلمون عواقبه ، ولم تقفوا على حقائقه ، فخير لكم إذن
أن تكونوا أحلاس بيوتكم على أن تكونوا شركاء فى فتنة لا يعلم حقيقة ما يدور فيها
إلا الله سبحانه وتعالى .
7 - إن كنتم - أيها السادة !!- معنيين بالتبيين
وإظهار الأحكام الشرعية فى مستجدات الأمور ونوازل الأمة وما ينوبها من فتن ودواهى
، فلماذا إذن لم تُبينوا حكم الموجودين فى رابعة والنهضة وبقية ميادين مصر ؟ وقد
تحقق وجود أسلحة - قلَّت أو كثرت - مع بعضهم ، مع وجود الشحن المستمر ، والتعبئة
الجهادية التى تحض على الإستشهاد مع وجود الأكفان (وما يسمى بمشروع الشهيد ) ،
الأمر الذى كان ينذر بعواقب وخيمة خاصة مع وجود النساء والأطفال ، فلماذا لم
تصدروا بياناً بحكم الموجودين فى هذه الميادين ؟ وما حكم من حمل السلاح على الدولة
وقام بقطع الطرق و تعطيل المصالح العامة والخاصة و أخاف السبيل ؟ لماذا لم تتكلموا
؟ ألأنكم – توافقونهم على ما هم عليه ؟ ولماذا لم تبينوا حكم محاصرة مدينة الإنتاج
الإعلامى ومن قبلها المحكمة الدستورية ؟ وهذه كانت الشرارة التى أشعلت الغضب ضد
الرئيس المعزول و مناصريه .
فهل يجوز أن نقول : إنها تمت بمباركة مجلس شورى
العلماء ؟
قد يقول البعض : نعم ! هم يباركون هذه الاعمال
والدليل على ذلك أن أحد أعضاء المجلس ذهب إلى حصار مدينة الإنتاج الإعلامى يحمل
رسالة من المهندس خيرت الشاطر ليبشَّر بها المعتصمين مؤداها أن هناك عشرة آلاف من
المسلحين سيخرجون فى جميع أنحاء البلاد للدفاع عن قضيتهم ، فهل هان على مجلس شورى
العلماء كرامة العلم والعلماء حتى يقبلوا لأنفسهم أن يؤدى أحد زملائهم هذا الدور ؟
لا أملك إلا أن أقول متحسرا على هيبة العلم
والعلماء :
ولم أبتذل فى خدمة العلم مُهجتى ** لأَخدم من
لاقيت ، لكن لأُخـدما
أأشقى به غرساً ، و أجنيه حنظلاً ** إذا ،
فاتباع الجهل قد كان أحزما
ولو أن أهل العلم صانوه صانهم ** ولو عظَّـموه
فى النفوس لــعَظَّما
ولكن أهانوه فهانوا ، ودَنـــــسوا ** مُحَيَّاه
بالأطــماع حتــــى تجهَّما
فإن لم تكونوا موافقين مستحسنين لما فعله أحدكم
فهلا اعترضتم وسجلتم اعتراضكم وقمتم بفصل من وضعكم فى هذا الموضع المهين لكرامة
العلم والعلماء .
8 – لماذا لم تتعرضوا لنقض الخرافات والأكاذيب
التى رددها الدكتور جمال عبد الهادى من وجود جبريل عليه السلام والملائكة ، وما
ترتب على ذلك من وقوع الشك فى قلوب بعض ضعفاء الإيمان حينما تم فض الإعتصام من قبل
قوات الأمن بدون تدخل جبريل عليه السلام ألم يكن هذا الأمر يستدعى تدخلا فوريا
منكم لوضع الأمور فى نصابها وبيان كذب هذه الإدعاءات خاصة وأن هذا الأمر من أمور
الإعتقاد التى ينبغى على دعاة السلفية أن ينتفضوا من أجل الدفاع عنها وإن لم
تُحرككم هذه الخرافات ، فمتى ستغارون على أصول العقيدة ؟
9- كذلك لم نسمع لكم كلاماً فى شأن إحترام بيوت
الله وعدم استخدامها فى الإعتصامات السياسة ، ومعلوم أن الإعتصامات والمظاهرات عند
الليبراليين والعلمانيين لا تستغل فيها المساجد ولا يفكرون فى الإقتراب منها
ويذهبون إلى الساحات العامة والحدائق .
أما الاخوان فهم الذين أدخلوا بيوت الله فى
اللعبة السياسة حتى إذا حدث انتهاك لحرمة بيوت الله استغلوه أسوأ استغلال وتاجروا
به وألصقوا التهم بمخالفيهم فكان ينبغى على أهل العلم الذين لا يجاملون أحداً ولا
يخافون الجماهير ولا ينافقونهم أن يجهروا بحرمة هذا ويبينوا للناس أن من اعتصم
وتظاهر بالمساجد أو بالقرب منها هو الذى يدنسها ويتسبب فى حرقها وانتهاك حرمتها
ويعرضها للإقتحام .
10- لماذا لم تبينوا حكم المظاهرات والإعتصامات
والإنتخابات ؟ ومَن مِن أئمة السلفية المعاصرة أجازها ؟
فإذا خرج النساء - أيها الفقهاء - فالأمر يشتد
قبحاً ويُعظم نكراً، فإذا استُخدمن كدروع بشرية فى العمليات الجهادية المزعومة
،أليس ذلك يستدعى منكم كلاماً ؟ فمتى ستتكلمون إن لم تتكلموا الآن؟
ثم تزول الحيرة حينما يخرج الشيخ حسان والشيخ
يعقوب إلى ميدان مصطفى محمود ويشاركون المتظاهرين فى تظاهراتهم ولم تكن سلمية
بالطبع بل كانت فى إثر فض اعتصامى رابعة والنهضة وقد تحقق الجميع من وجود السلاح ،
فكيف استجاز الشيخان الخروج لتأييد هذه المظاهرات ؟! وإن أجازاها بفعلهما وقولهما
فلماذا صمت بقية فقهاء مجلس الشورى ولم يبينوا هذه الخطيئة ؟ّ! وإن لم تكن عندهم خطيئة
فلماذا لم يخرجوا هم أيضا ؟! هل دماؤهم أعظم من الدماء التى أريقت ؟!
فأنتم - أيها الفقهاء - بين خيارين أحلاهما مر ،
إما أن تدينوا الله بحرمة ما حدث فكان الواجب عليكم أن تعلنوا ذلك وتجهروا به ، بل
وتعلنوا تبرؤكم ممن تلبًّس به و إن كان الشيخ حسان والشيخ يعقوب والشيخ وحيد بالى
- وهم يمثلون ثلث أعضاء المجلس - وتقومون بطردهم من مجلس شورى العلماء .
وإما أن تدينوا الله بجواز أو وجوب ما حدث
وحينئذ فالواجب عليكم أن تخرجوا مع الشباب فى رابعة وغيرها - ومعكم أولادكم - وإلا
كنتم ممن عناهم الله بقوله : " لم تَقولونَ ما لا تَفعلونَ " (الصف 2)
،" أَتامُرونَ النَّاسَ بِالبرِ وتَنسَونَ أَنفُسَكم وأَنتمْ تَتلُونَ
الكتابَ أفلا تَعقلُونَ " (البقرة 44)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أيها السادة !!
نحن لا نطالبكم بالمستحيل ولا نطالبكم بما ليس
فى وسعكم ، وإنما نطالبكم بأن تكونوا فى مقدمة الصفوف فى كلا الحالين وأن تكونوا
مُتسقين مع اعتقاداتكم وأقوالكم ، فإن حرَّمتم الخروج فقولوا به و أعلنوه وتحملوا
التبعة .
وإن أبحتم الخروج فقولوا به وأعلنوه واخرجوا
وتحملوا التبعة ،أما أن تمسكوا بالعصا من المنتصف فصدقونى لقد خسرتم الجميع، أما
خسارة الدين فهذا أمر لا نملك أن نتفوه به ، ولانرجوه لكم، بل نرجو - والله الذى
لا إله غيره - الخير و الصلاح لكم و لجميع أمة الإسلام .
انت بنى ادم ضلالى ومجرم
ردحذف