الأحد، 25 سبتمبر 2011

اقتصاد تركيا، والخديوي أردوجان - مقارنة مع مصر

سامح أبو عرايس – المحلل المالي والاقتصادي
اضافات و رسومات بيانية – م/ أحمد سرحان

ملحوظة: جميع الأرقام الواردة بالتحليل مصدرها هو بيانات الدولي، منظمة الأمم المتحدة للغذاء والزراعة الفاو، تقرير الأمم المتحدة للتمنية البشرية، وبيانات وزارة المالية التركية. الرسومات والخرائط مستقاة من موقع البنك الدولي تحديث يوليو 2011 مع اضافة الشروحات عليها:

بداية، لا أحد ينكر أن تركيا شهدت نموا اقتصاديا وارتفاعا في نصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي في السنوات العشر الماضية... كما أننا لا ننكر تميز الأداء الاعلامي المروج للسياسة التركية على المسرح الاقليمي وقدرتهم على التعبير جيدا عن انجازاتهم.  ولكن، كيف تحقق هذا النمو الاقتصادي؟؟

أعرف الكثير عن الاقتصاد التركي وأجريت عليه بحثا مطولا سنة 2002 توقعت فيه حدوث أزمة مالية في تركيا نتيجة الارتفاع الكبير للمديونية وقد حدثت الأزمة في 2004 في عهد رئيس الوزراء التركي في ذلك الوقت بولنت أجاويد وفقدت الليرة التركية نحو 60 % من قيمتها . كان من نتيجة الأزمة بروز حلفاء الغرب مثل كمال درويش الذي وضع خطة انقاذ معتمدة على الاقتراض من صندوق النقد الدولي وبيع العديد من أصول الدولة ووصل رجب طيب أردوجان الى الحكم لينفذها بالتزام لصالح المزيد من السيطرة الغربية على الاقتصاد التركي .

ان الاقتصاد التركي هش جدا الان ، ويكاد يكون معرضا لأزمة طاحنة جديدة في حال أية هزة فالانتعاش الذي حدث في عهد اردوجان  لا يعود ل " نهضة " أو " عبقرية " منه أو من حزبه كما يصوره الاعلام الغربي ويردده الاعلام العربي كالببغاء، وانما هو انتعاش كاذب نتيجة الاقتراض السفيه من الغرب وبيع أصول الدولة التركية .

ان الصورة الاقتصادية التركية هشة جدا الان ونلاحظ أرقاما مقلقة : 
  • ان الدين الخارجي بلغ حوالي 300 مليار دولار
  • مقابل الدين الخارجي الضخم يبلغ احتياطي البنك المركزي 75 مليار دولار فقط !!
  • ان خدمة الدين بلغت 42 % من قيمة صادرات السلع والخدمات وهو رقم مرتفع جدا اذا علمنا أن المتوسط العالمي هو حوالي 20 % وحين نعلم ان النسبة في مصر 6 % فقط !!
  • ميزان المدفوعات التركي سالب ( أي أن الأموال الخارجة من تركيا أكثر من الداخلة ) وتصل نسبة عجز ميزان المدفوعات الى 7 % من الناتج المحلي الاجمالي التركي سنويا !!!
  
حين نقارن ذلك بأرقام الاقتصاد المصري في عهد مبارك نجد ما يلي :
  • ان الدين الخارجي المصري بلغ بنهاية حكم مبارك حوالي 30 مليار دولار فقط وهي من أقل المديونيات في العالم !!
  • يقابل ذلك احتياطي بالبنك المركزي المصري بلغ في يناير هذا العام 36 مليار دولار ، أي أعلى من قيمة الدين الخارجي ، وقد انخفض الاحتياطي بسبب الاضطرابات السياسية الى 25 مليار دولار حاليا .
  • ان خدمة الدين المصري يبلغ 6 % فقط من قيمة صادرات السلع والخدمات ، وهي من أقل النسب في العالم حيث ان المتوسط العالمي 20 % 
  • ميزان المدفوعات المصري كان موجبا ويحقق فائضا منذ سنة 2003 . وقد سجل في اخر سنة مالية 3.4 مليار دولار كفائض . وقد تحول الى عجز ب 9.2 مليار دولار بعد " 25 يناير " ولكن هذه قضية أخرى !!



تطور خدمة الديون الخارجية كنسبة من الصادرات عبر السنوات الأخيرة. مصر أفضل كثيرا من تركيا




ولكي تكون المقارنة أكثر توضيحا، سنة 1990 كان حجم الديون التركية الخارجية 41 مليار دولار، أي أقل قليلا من حجم الديون الخارجية المصرية وهو 45 مليار دولار

بنهاية سنة 2010 وصلت الديون الخارجية التركية الى ما يقرب ال 300 مليار دولار (بزيادة قدرها أكثر من 630%) بينما رقم الديون الخارجية المصرية بنهاية عام 2010 كان في حدود ال 30 مليار دولار أي بانخفاض 33%
(انظر الرسم البياني أدناه)

حجم الديون الخارجية لمصر وتركيا كان متقاربا في اوائل التسعينات ثم قفز أكثر من 10 أضعاف لتركيا في حين أن مصر سيطرت عليه عند 30مليار دولار فقط


أي أنه في نفس الفترة  التي شهدت النمو الاقتصادي التركي المضطرد، ارتفعت الديون التركية الخارجية ما يقرب من 7 أضعاف و انخفضت في مصر بمقدار الثلث. أي أن اعتماد الاقتصاد التركي على المؤسسات الدولية والاقتراض الأجنبي هو أساس النمو الاقتصادي التركي.
وأضيف لكم رقما آخر: وهو أن مساهمة الصناعة في الاقتصاد المصري تبلغ 38 - 40 % بينما تبلغ الصناعة في الاقتصاد التركي 25 % فقط . أي أن مصر اقتصاد صناعي أكثر من الاقتصاد التركي الذي صدعوا رؤوسنا به  (انظر الرسم البياني أدناه). في حين انه اقتصاد منهك قائم على مديونية هائلة وفي وضع مشابه لوضع الاقتصاد اليوناني قبل أزمته الحالية . انتظرو الأزمة الاقتصادية التركية قريبا !!

الاقتصاد التركي يعتمد في أغلبه على الخدمات و هو أمر لا بأس فيه. ولكن مقارنة بالاقتصاد المصري، مساهمة الصناعة أكبر وهو أمر صادم لكثير من المصريين الذين أدمنوا جلد الذات

نعم الاقتصاد التركي شهد نموا ، ولكنه نمو قائم على الديون الخارجية لدرجة أن نصيب الفرد من الدين الخارجي 3800 دولار. في حين أن نصيب نصيب الفرد المصري 391 دولار فقط. ومع ذلك يتهمون مصر بالتبعية ويرون اردوجان بطل القومية والاستقلالية
نعم نصيب الفرد التركي من الناتج المحلي الاجمالي ضعف نصيب المصري (بحساب القوة الشرائية) ولكن أيضا نصيب التركي من حجم ديون بلاده الخارجية هو 10 أضعاف نصيب المصري من حجم ديوننا الخارجية

أيهما أفضل؟ تقييد اقتصاد الدولة بقروض خارجية تجبره ان يكون تابعا لسياسات الغرب وصندوق النقد وحلف الناتو ومنظومات الأمن الغربية و ارهاق الأجيال القادمة بالديون من أجل يعيش الجيل الحالي مرفها؟ أم أنها رفاهية مصطنعة؟

أقول هذا بمناسبة نشر رادارات الدرع الصاروخي للناتو في الأراضي التركية في سبتمبر الحالي - وهي التي تحتضن احدى أكبر القواعد الأمريكية في العالم قاعدة أنجريلك في جنوب تركيا - في اطار منظومة دفاعية مشتركة مع اسرائيل و ضد ايران والصين و روسيا وهو الأمر الذي اثار غضب الروس كثيرا. مصر رفضت مرارا وتكرارا الانضمام الى هذه المنظومة الدفاعية ذات الأهداف التي تتعارض مع مصالحنا القومية و العربية

وفي تقرير لصندوق النقد الدولي صدر يوم 20 سبتمبر 2011، خفض الصندوق توقعاته لنمو الاقتصاد التركي الى 6.6% بنهاية 2011 و الى 2.2% فقط في العام القادم 2012، وهو مؤشر خطير للغاية و سيؤثر على قدرة تركيا في الوفاء بديونها المتضخمة.  أمر مشابه هو ما تعرضت له اليونان من أزمة عنيفة ما زالت مستمرة و تهدد باعلان اليونان عن افلاسها و عجزرها عن سداد الديون المستحقة للبنوك الأوروبية و صندوق النقد.

و قد يكون من المفيد أن نشير الى حجم ديون اليونان الخارجية وصل الى 500 مليار دولار أو أكثر بمرة ونصف من حجم الناتج المحلي

ماذا عن مستوى العدالة الاجتماعية في تركيا؟

أما على مستوى العدالة الاجتماعية تحت حكم حزب العدالة والتنمية في تركيا، فقد بلغ مؤشر جيني 42% في حين أنه في مصر 32% أي أن الاقتصاد المصري أكثر عدالة في توزيع الدخل والعائد على مواطنيه. تستطيع أن تحصل على معلومات أكثر عن طبيعة المؤشر ودلالاته عبر هذا الرابط:  مؤشر جيني



كما أن حصة الدخل لأدنى 20% من السكان في تركيا تبلغ 5.5% من اجمال الدخل، وهي في مصر تبلغ 9%. أي أن الفئات الأفقر في مصر تحصل على نصيب من الدخل القومي أكثر مما تحصل الفئات المماثلة في تركيا من عوائد النمو الاقتصادي التركي الكبير. (انظر الرسم البياني أدناه)
نصيب الفئات الأفقر من الدخل القومي - مصر أفضل من تركيا

وكم هي نسبة الفقراء في تركيا؟ يتوقع البعض أنها مبهرة مقارنة بنا. طبقا لبيانات الأمم المتحدة والبنك الدولي، في مصر 21% تحت خط الفقر المحلي وفي تركيا 20% تحت خط الفقر المحلي. كما أن مستوى الأمية متساو تقريبا. ولا ننسى أن نمو السكان سنويا في مصر يبلغ 2% أي ضعف النمو السكاني التركي.

خريطة الفقر في العالم. مصر وتركيا متقاربتان

مشكلتنا في مصر سكانية بالدرجة الأولى. كما أن مواردنا محدودة للغاية. طبقا لبيانات منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة الفاو، فان مساحة الأرض الصالحة للزراعة في تركيا تبلغ 50% في حين أن أرض مصر صحراوية ولا يصلح منها للزراعة سوى أقل من 4% فقط. وهو ما يعني أن لديهم فائضا كبيرا فى الأنتاج الزراعى والحيوانى يكفي احتياجاتهم و يصدرونه بينما نحن في مصر نضطر الى استيراد جزء كبير من الأغذية التى نستهلكها. مواردنا المحلية الطبيعية لا تكفي لاطعام سوى نصف عدد السكان الحالي (انظر الرسم البياني أدناه)

تركيا تتمتع بمساحات شاسعة من الأراضي الصالحة للزراعة مما يجعل تكلفة الزراعة والصناعات الغذائية أقل كثيرا من مصر.
مصر بلد صحراوي فقير المياه

كما أن نصيب الفرد من مصادر المياه المحلية النقية المتجددة (أنهار داخلية و مياه جوفية و أمطار) يبلغ في تركيا 3000 م مكعب سنويا، وفي مصر 22 م مكعب فقط. في مصر نعاني من الفقر المائي والتصحر. كما أننا في مصر أكثر عرضة للدخول في حروب على مصادر المياه بسبب اعتمادنا بشكل شبه كامل على مياه تنبع خارج حدودنا - نهر النيل - على عكس تركيا التي تتحكم في أغلب مواردها المائية ولا تعتمد على جيرانها. (انظر الرسم البياني أدناه)



فأيهما يا ترى الاقتصاد الأقوى والمعجزة الحقيقية ؟؟ هل النجاح أن أبني بلدي بقدراتي محافظا على اقتصاد مستقر أم أن أقترض بمئات المليارات وأبيع أصول الدولة لأحقق انتعاشا مؤقتا لبضع سنوات يفيق بعدها الشعب على الحقيقة المرة ويدخل أزمة مالية طاحنة تستولي بعدها المؤسسات الغربية على أصول الدولة ؟؟ هل من الافضل ان كانت مصر قد اقترضت من الخارج 10 اضعاف المستوى الحالي لتصبح ديوننا الخارجية 300 مليار مثل تركيا في مقابل أن يرتفع مستوى دخل الفرد مرتين ؟

لدينا تجربة تاريخية مصرية في عصر الخديوي اسماعيل شاهدة على ذلك !!

في النهاية لنفكر جيدا ونقرأ الأرقام ولا نجري وراء الاعلام الموجه والتلميع المسيس .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق