القرضاوي يكشف خطة الإخوان للسيطرة علي الجيش
بقلم: لواء أ.ح. متقاعد/ حسام سويلم
5/14/2012
ليس التكويش فقط من جانب جماعة الإخوان علي مجلسي الشعب والشوري, وعلي الدستور ورئاسة الجمهورية, هو ما يشغل بال هذه الجماعة لكن الأهم والأخطر من ذلك هو فرض سيطرتها علي القوات المسلحة والأجهزة الأمنية والشرطة.
ومن بعد ذلك السيطرة علي القضاء والإعلام والحكم المحلي وسائر مؤسسات الدولة وفي اعتقاد الإخوان أن كل هذه الهيمنة علي مؤسسات الدولة المصرية لن يتحقق إلا إذا سيطروا علي القوات المسلحة, لذلك نجد أحد أقطابهم المشهورين الشيخ يوسف القرضاوي يكشف لنا في كتابه الحل الإسلامي..فريضة وضرورة طبعة 1993 عن خطة الإخوان لتحقيق السيطرة علي الجيش, وما أخطأوا فيه في السابق, ومنعهم من تحقيق هذا الهدف منذ سنوات طوال..
يناقش الشيخ يوسف القرضاوي البديل العسكري والانقلابات العسكرية كوسيلة للاستيلاء علي الحكم تحت شعارات ما يسميه بالحل الإسلامي, وتحت عنوان سبيل الانقلابات العسكرية صفحة 164, يورد الحجج الداعية إلي الأخذ بهذا البديل ويناقش هذه الحجج ليس من الناحية الشرعية لإثبات مخالفتها لمنهج الرسل في دعوة أقوامهم إلي الله تعالي من واقع القصص القرآني وعدم لجوء أي رسول إلي استخدام القوة لفرض الدين علي الناس, وليس لإثبات مخالفتها لكل آيات القرآن التي تأمر بأن تكون الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة وعدم مشروعية اللجوء إلي القوة باسم الدين مصداقا لقوله تعالي لست عليهم بمسيطر, أفأنت تكره الناس حتي يكونوا مؤمنين, أدع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن, وإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب, لكن الشيخ يوسف القرضاوي يناقش البديل العسكري من حيث مكسبه وأضراره, فيورد أولا الحجج والمزايا للدعوة للانقلابات العسكرية, ومن ذلك قوله في صفحة 166:
أ ـ لا أمل في الوصول إلي الحكم الإسلامي بالكفاح السلمي بالوسائل الديمقراطية ولم يبق أمامنا إلا الحل العسكري.
ب ـ إن الحركة الإسلامية في حاجة دائمة إلي قوة عسكرية تحميها من بطش الطغاة من الحاكمين وهي بدون ذلك معرضة لأن تضرب ضربات قاتلة.
ج ـ إن التدريب العسكري في حد ذاته مطلب للمسلم وخصوصا عضو الحركة الإسلامية. ثم يصف في النهاية هذا الرأي في صفحة 167 بأنه يستند إلي بعض الاعتبارات التوجيهية إلا أنه يأخذ عليه بعض المآخذ التي يصفها بقوله في صفحة 168: إن هذا الرأي أغفل الاضرار والأخطار التي تنشأ عادة من جراء إعداد قوة شعبية عسكرية مسلحة ثم يعطي أمثلة لتلك الأخطار والاضرار ومن بينها مايلي: إن الاصطدام الحتمي بالسلطة يعرض الحركة لأخطار غير مأمونة العواقب, وان التكنولوجيا الحديثة قد أمدت رجال المخابرات والمباحث أجهزة وأساليب جعلتهم أقدر كثيرا علي اكتشاف أي تنظيم سري بمجرد العثور علي بعض أفراده ولو عشوائيا, والاستعجال قبل النضوج وهذه آفة التفكير العسكري غالبا حيث لا يطيق أفراده الانتظار مما يعرضهم للخطر, وفي مواجهة هذه الأضرار والأخطار فان الشيخ يوسف القرضاوي يوصي بضرورة تهيئة الرأي العام لتقبل هذه الخطوة ومناصرتها قبل اللجوء إلي القوة العسكرية وكذلك ضرورة استكمال عناصر القوة الاخري قبل اللجوء إلي البديل العسكري ومن بينها القوة التنظيمية والشعبية (صفحة169).
ويستشهد الشيخ يوسف القرضاوي علي صحة ما ذهب إليه بأن حسن البنا قد أكد نفس الآراء فيقول: وما أوضح وما أبلغ ما قاله في هذه المعاني مؤسس كبري الحركات الإسلامية في مصر والعالم العربي الشهيد حسن البنا الذي قال في رسالة المؤتمر الخامس ثم يورد أقواله في صفحة 169 وما بعدها التي بدأها حسن البنا بقوله: يتساءل كثير من الناس هل في عزم الإخوان المسلمين أن يستخدموا القوة في تحقيق أغراضهم والوصول إلي غايتهم. وهل يفكر الإخوان المسلمون في إعداد ثورة عامة علي النظام السياسي أو النظام الاجتماعي في مصر؟ ثم يجيب عن هذا التساؤل بقوله إن الإخوان المسلمين لابد أن يكونوا أقوياء ولابد أن يعملوا في قوة ثم يحذر حسن البنا من أن قوة الساعد والسلاح لا يجب التعجيل باستخدامها إلا في الوقت المناسب وبعد اتمام الاستعدادات الأخري خوفا علي مصيرهم من الفناء والهلاك فيقول بالحرف الواحد في صفحة 170 إذا استخدمت قوة الساعد والسلاح وهي مفككة الأوصال مضطربة النظام أو ضعيفة العقيدة خامدة الإيمان فسيكون مصيرها الفناء والهلاك, ثم يعقب الشيخ يوسف القرضاوي في صفحة 171 بأن تجارب العقود الأخيرة قد علمتهم أن أي قوة عسكرية شعبية لم تعد تكفي في عصرنا لمواجهة قوات الدولة المسلحة لبعد المسافة بين قدرة كل من الطرفين ومدي امكاناته.
وإزاء هذه المشكلات والمعوقات التي يطرحها الشيخ يوسف القرضاوي التي تواجه الحل العسكري بإحداث انقلابات عسكرية بالشكل التقليدي فانه يحدد البدائل التي يراها للتغلب علي هذه المعوقات وهي كما يلي:
1 ـ اختراق القوات المسلحة بنشر الفكر بين ضباط الجيش وجنوده, ويحدد الشيخ يوسف القرضاوي وسائل الاختراق بالتفصيل بما لا يتعارض مع النظام القائم ولا يثير الشبهة فيقول بالحرف الواحد في صفحة 172: الواجب إذن علي دعاة الإسلام أن يولوا الجيش عناية أكبر وأن يعملوا بكل سبيل مشروع لنقل الفكرة الإسلامية الصحيحة بين ضباط الجيش وجنوده وكسبهم إلي جانب الاتجاه الإسلامي.
2 ـ استمرار التدريب العسكري من خلال المجندين من أعضاء الجماعة واستغلال وسائل التدريب الرسمية من تجنيد حرس وطني وأي صورة أخري كحيلة تغني عن اللجوء للتدريب العسكري الخاص للجماعة الذي يثير الشبهة ويؤدي للاصطدام بالسلطة.. ويقول الشيخ يوسف القرضاوي في شرحه لذلك في صفحة 173: وأما التدريب العسكري فلا ننكر أهميته وضرورته لتكوين الشخصية الإسلامية المتكاملة لكن مع التجنيد الإجباري وقيام منظمات كالفتوة والحرس الوطني وغيرها يمكن أن يتم التدريب المطلوب في إطار الأوضاع السائدة دون التعرض لمخالفة القانون ومعارضة السلطة.
3 ـ في صفحة 211 يدعو بالحرف الواحد إلي الانتشار في عامة القطاعات والمجالات الشعبية والرسمية والمدنية والعسكرية كما يدعو إلي اظهار التعاطف مع مشكلات الجماهير لكسبها في مناصرة الحركة الإسلامية فيقول بالحرف الواحد في نفس الصفحة: لابد إذن من العناية بمشكلات الشعب وأن ننزل إليه نحن لا ننتظر صعوده إلينا, ولابد من كسبه إلي جانب الحركة الإسلامية, ومن الجدير بالذكر أن ما يدعو إليه الشيخ يوسف القرضاوي في هذه التوصية من الانتشار بين القطاعات الشعبية والرسمية هو ما تم تنفيذه من محاولة سيطرة أصحاب هذا الفكر علي النقابات المهنية والعمالية ونوادي هيئات التدريس وكل تنظيم شعبي أو جماهيري يمكنهم الوصول إليه والسيطرة عليه وقد نجحوا في ذلك بدرجة كبيرة.
4 ـ ثم يعود الشيخ القرضاوي في نهاية كتابه إلي توصية أعضاء الحركة ودعوته للحركة ألا تستعجل الطريق إلي أهدافها وتحاول قطف الثمرة قبل نضجها صفحة 228, وألا تتعجل الاصطدام بالسلطات لتوفير طاقات أبنائها صفحة 229, وألا تستهلكها المعارك المؤقتة بل توفر جهدها ووقتها وطاقتها للمعارك المصيرية صفحة 231.
وهذه الطبعة التي نتناولها بالتعليق هي الطبعة الخامسة من هذا الكتاب وقد صدرت عام 1993 وهي تخاطب الإرهابيين وتحدد لهم علنا وبصراحة أساليب اختراق القوات المسلحة من خلال اختراق صفوفها بالانضمام للكليات العسكرية وكلية الشرطة والتطوع في صفوف الجيش وتربية كوادر من الضباط الأصاغر (ملازمين ونقباء) سرعان ما يترقوا بمرور الوقت إلي رتب مقدم وعقيد ويقودون كتائب مدرعة ومشاة ومدفعية محتفظين سرا بولائهم لمرشد الإخوان لكن إذا ما تطلب الأمر النزول إلي الشارع فافتعال أي احداث وطبقا لأوامر مكتب الارشاد يكشفون عن حقيقتهم وينفذون أوامر المرشد وليس أوامر قادتهم العسكريين ـ وعلي سبيل المثال بدلا من أن يتجهوا لحماية مبني التليفزيون يتوجهون لاحتلاله وإذاعة البيان رقم(1) عن سقوط النظام وقيام الدولة الإسلامية بدلا من التوجه إلي القصر الجمهوري لحمايته يسعون إلي اعتقال رئيس الجمهورية أو قتله, إلي غير ذلك من ممارسات الانقلابات العسكرية المعروفة.
هذه هي بعض وأخطر ما يمكن أن ينتج عن تنفيذ توصيات القرضاوي بالتسلل إلي صفوف القوات المسلحة من أسفل السلم القيادي ناهيك بالطبع عن توصياته بالتدريب علي حمل السلاح بغير الوقوع في أيدي الشرطة وأجهزة الأمن والسيطرة علي التنظيمات الرسمية والتجمعات الشعبية وتصحيح ممارستهم غير الناجحة في الفترات السابقة وتوجههم إلي الخطوات التالية في التآمر للاستيلاء علي السلطة والحكم.
لذلك لم يكن غريبا ما أعلنه المرشد السابق مهدي عاكف في أثناء العدوان الإسرائيلي عام 2009 من أنه قادر علي إرسال 10.000 مقاتل من اتباعه لدعم حركة حماس وهي التي كشفت عن حقيقة كونها احد أفرع التنظيم العالمي لجماعة الإخوان وهنا يفرض السؤال نفسه: أين وكيف ومتي تم تجميع وتشكيل وتسليح وتدريب هؤلاء الـ10.000 مقاتل إخواني؟ ولمن ولاؤهم وانتماؤهم هل للدولة المصرية التي تأويهم ويقيمون علي أراضيها أم ولاؤهم للمرشد والجماعة التي قامت بتكفير الشعب المصري علي لسان خيرت الشاطر في وثيقته الشهيرة التي اصدرها في 2 ديسمبر 2005 تحت عنوان فتح مصر وكأن شعب مصر من الرومان أو كفار قريش, وخيرت الشاطر هو عمرو بن العاص الثاني الذي سيعيد للمصريين إسلامهم؟ ولقد ظهرت بعض ملامح ميليشيات الإخوان في استعراض القوة الذي مارسوه عام 2010 في جامعة الأزهر وهم يرتدون ألبستهم السوداء وأغلقوا باب الجامعة وحاصروا رئيسها في مكتبه. ومع الأسف فإن كان هذه الطبعات لمثل هذا الكتاب الذي يحمل فكرا متطرفا هداما والتي تصدر علنا وعبر السنين العديدة نجدها تجد طريقها بآلاف النسخ إلي أيدي الشباب دون أن تري من يتصدي لها ليكشف مخالفتها الكاملة للقرآن والسنة ويحذر الشباب من هذه الشعارات ويبين لهم أنها نفس شعارات الدجالين والخوارج عبر القرون الذين يرفعون شعارات الدين وهم يطعنون الإسلام والمسلمين والمجتمع الإسلامي بطعناتهم القاتلة.
لقد كان نجاح الجيش في حماية مصر وشعبها من السقوط عندما ساد الانفلات الأمني في 28 يناير عام 2011 وما بعده, إنما يرجع في الاساس إلي تماسك وحدات الجيش المصري وانضباطها تحت قيادة مجلسها العسكري الأعلي, وما كان هذا التماسك في صفوف القوات المسلحة إلا ثمرة نجاح أجهزة المخابرات والأمن في منع تسلل العناصر الإرهابية المتطرفة والهدامة إلي صفوف القوات المسلحة, ودوام إجراءات الوقاية والرقابة الأمنية, وهو ما ينبغي أن يستمر في السنوات المقبلة بطريقة أشد لمنع جماعة الإخوان وما شابهها من جماعات وتنظيمات هدامة من التسلل لصفوف الجيش المصري حتي يكون ولاؤه وانتماؤه فقط لشعب مصر وليس لتنظيمات وجماعات متطرفة لا يهمها سوي مصالحها ولو علي حساب أمن مصر وأمان شعبها.
المزيد من مقالات لواء أ.ح. متقاعد/ حسام سويلم
رد على اللواء حسام سويلم
ردحذفموقع القرضاوي
آخر تحديث:06:30 (مكة) الاثنين 02 رجب 1433هـ -2012/05/21م
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه. وبعد.
وكأنه لا عمل لي هذه الأيام إلا الرد على ما يختلقه البعض على لساني، أو يجتزئه البعض من كلامي، فينتزعه من سياقه، ويوظفه بحيث يخدم فكرته المغلوطة، أو فهمه الخاطئ، أو نيّته غير الحسنة.
وأنا في الحقيقة عندي ما يشغلني عن الأخذ والرد، والتعقيب والتصحيح، والتوجيه والتوضيح، لما يشاع عنّي على غير الحقيقة، وأكون في هذا الأمر بين خيارين أحلاهما مر؛ إما أن أتجاهل بعض هذه الإشاعات، فتجدها تنتقل من جريدة إلى موقع إلى فضائية، وتنتشر انتشار النار، يعلق عليها المعلقون، وينقدها الناقدون، ويكثر الكلام، والقيل والقال، في أمر لا أساس لصحته، والبعض يعتذر أن الكلام نشر في الإعلام ولم أعقب عليه، أو أرده أو أوجهه.
وإما أن أرد على كل ما يشاع عني، وهو أمر تقصر الأعمار عن بلوغه، وتضيق الأوقات عن تحقيقه، وتعجز الهمة عن الإتيان به، لاسيما مع الانشغال بغيره من الأعمال التي يرجى نفعها.
وأنا والحمد لله لا أتبرأ من كلام قلته، ولا من موقف اتخذته، ولكن المشكلة تكمن في التحريف والتزييف، وسوء الفهم والتأويل، واجتزاء الكلام اجتزاء يخل بمعناه الذي قصدته، أو يحرفه عن موضعه تحريفا بيّنا.
وآخر ما حملته الأخبار عنّي، ما نشرته جريدة الأهرام المصرية، يوم الخميس 14 مايو 2012م، من مقال للواء أركان حرب المتقاعد حسام سويلم، وهو من الخبراء العسكريين المشغولين بالمركز الاستراتيجي تحت عنوان (القرضاوي يكشف خطة الإخوان للسيطرة على الجيش)، ولكن الرجل عمد في كلامه إلى كتاب من كتبي التي ألفتها في أوائل السبعينات من القرن الماضي، وطُبع منها في لبنان وفي مصر عشرات الطبعات: وهي سلسلة أسميتها (حتمية الحل الإسلامي)، ألفت فيها عدة أربعة كتب هي: (الحلول المستوردة وكيف جنَتْ على أمتنا)، و(الحل الإسلامي فريضة وضرورة)، و(بينات الحل الإسلامي)، و(أعداء الحل الإسلامي)، وقد ألفت هذه السلسة ردًّا على ما اجتاح مصر وقت تأليفها من طغيانٍ للفكر الماركسي على الساحة الفكرية، وكان من مصطلحاتهم التي استخدمها ميثاق عبد الناصر، الذي سماه بعضهم (قرآن الثورة)، كما تضمنه فصل فيه سُمي (حتمية الحل الاشتراكي)، وقد استخدمنا في حديثنا مصطلح (الحتمية) حين أصدرنا سلسلتنا (حتمية الحل الإسلامي)، وهو مصطلح وإن كنا لا نؤمن به، إلا أنني استخدمته من باب المشاكلة اللفظية، على نحو ما جاء في القرآن: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء:142]، {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ} [الأنفال:30]. {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة:67] والله سبحانه لا يوصف بمثل هذه الأوصاف.
وقد استعرضتُ في كتابي (الحل الإسلامي فريضة وضرورة) من ضمن ما استعرضت فصلا تحت عنوان: السبيل إلى تحقيق الحل الإسلامي، وذكرتُ عدة سبل مرفوضة لإقامة الحل الإسلامي، وهي (سبيل القرارات الحكومية)، و(الانقلابات العسكرية)، و(سبيل الوعظ والإرشاد)، و(سبيل الخدمات الاجتماعية).
وقد ذكرت مسوغات كل سبيل من وجهة نظر أصحابها والمتحمسين لها، ثم كررت عليها بالمناقشة والتفنيد والإبطال.
فعمد الرجل إلى الكتاب على طريقة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ} [النساء:43]، {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} [الماعون:4]، وكما قال أبو نواس:
ردحذفما قال ربُّك: ويلٌ للألى سكروا، بل قال ربُّك: ويلٌ للمصلين
وقد ذكر الرجل الصفحات التي نقل عنها من كتابي، موهما الدقة والتحري، ولو تابع النقل لوجد ما انتقده من كلام إنما هو حجج الآخرين أردُّ عليها وأفندها.
وقد قلتُ في بداية كلامي: (ويتصور آخرون أن السبيل إلى الحل الإسلامي يتمثل في انقلاب عسكري) صـ164. ثم ذكرت مستند أصحاب هذا الرأي كما يرونه هم، ثم قلت: (ورغم ما لهذا الرأي من بريق، وما لبعض الاعتبارات التي استند إليها من وجاهة. يؤخذ عليه أنه أسقط من اعتباره عدة أمور على جانب كبير من الأهمية) صـ167. وذكرت الاعتبارات التي يغفلها المؤمنون بالانقلابات العسكرية، وهي: أن النجاح في الانقلاب لا يعني النجاح في تطبيق المبادئ التي قام من أجلها، وأن التغيير الجذري لا يمكن أن يأتي بانقلاب عسكري، وأن تغيير المنكر باليد هو واجب كل ذي سلطان في سلطانه، ولا يفتح الباب على مصراعيه لكل أحد دون قيد، وأن هذا الرأي أغفل الأضرار التي تنشأ عن مخالفة القانون، واللجوء إلى السرية، والاستعجال قبل النضوج، وأن استعمال القوة يجب التضييق فيه إلى أبعد حد مستطاع، وأن أية قوة عسكرية شعبية لا يمكن أن تواجه قوة الدولة، وأن الاستبداد لم ولن يكون طريقا للحرية، وأن القوة ينبغي أن تكون لمواجهة أعداء البلاد والدين.
ثم تحدثت عن ظاهرة الانقلابات العسكرية، وأنها لم تنبت في بلادنا نباتا طبيعيا، بل صُدِّرتْ إليها تصديرا، وقد كان من نتيجتها عدم الاستقرار لكثرة الانقلابات، وتغييب الحياة المدنية بتولية المناصب لمن قام بالانقلاب، مع افتقاد الكفاءة، الأمر الذي يفسد الحياة المدنية، ويغضب العناصر المدنية، ويفسد الجيوش نفسها، ويحوله إلى جهاز للشرطة أو البوليس، ولعل هذا أحد أسباب انهزامنا فيما سمي بنكسة 67، كما يتبع ذلك فرض اتجاه معين بقوة السلاح لا بمنطق الحجة، وكذلك لما في العقل العسكري من ميل للعنف، وعدم استماع آراء المدنيين، والسرعة في اتخاذ القرار، والشعور بالحاجة إلى الحماية من داخل الجيش، وما يتبع ذلك من توالي الانقلابات بعد فشل الأول في ترسيخ شرعية مستقلة، يضاف إلى ذلك ما في السلطة من سحر تجعل من استولى عليها بالانقلاب لا يريد أن يفرط فيها. صـ189.
وقد قلت في هذا الكتاب مما يناسب أيامنا هذه: (ما لم يكن هناك وعي عام في الجيش كله يؤمن بضرورة الابتعاد عن السياسة، وتركها لأهلها، والحرص على سيادة الشرعية، فلا يرجى تراجع العسكريين عن موقفهم.
ولا يتم ذلك إلا بوجود فئة مخلصة من الضباط والقادة العسكريين يؤمنون بأن مهمة الجيش هي الدفاع عن حدود الوطن فقط، ويؤثرون مصلحته العامة على مكاسبهم الخاصة، فيحاربون فكرة الانقلابات، ولعبة السياسة، ويعملون لتعميم هذا الوعي بين الضباط، بغية استقرار وطنهم، ودعوته إلى الأوضاع الطبيعية والشرعية.
كما أنه لا بد من توعية الشعب نفسه، بحيث يرفض الانقلابات والحكم العسكري أيًّا كان اتجاهه والقائمون به، ولا بد من تعميق هذا الوعي حتى يغدو حقيقة سياسية توقن بها جماهير الأمة، ولا تفرط فيها، ولا تبغي عنها حولا، ومن الشعب تنتقل إلى العسكريين، ويلتقي الجميع على إقرار الشرعية والولاء لها. وبدون ذلك لا أمل في استقرار) صـ182.
ثم قلت في نهاية الكلام: (إن تحقيق الحل الإسلامي المنشود، الذي يتمثل في بناء مجتمع إسلامي سليم، وقيام حكم إسلامي رشيد، واستئناف حياة إسلامية صحيحة، لا يمكن أن يتم بالقرارات الحكومية الآلية، ولا بالانقلابات العسكرية الثورية، ولا بالوعظ والإرشاد وحده، ولا بالخدمات الاجتماعية الجزئية) صـ193.
إنني أدعو سيادة اللواء إلى استكمال قراءة الكتاب -الذي ألفته من عدة عقود- أو إعادة قراءته، وأنا محاسب أمام الله عن كل كلمة فيه، وفي بقية كتبي، ومسؤول أمام الله عنها. وهدَى اللهُ من يرمون التّهم جزافا، ويلبسون الحق بالباطل، ويقولون ما لم يحيطوا به علما.
والله من وراء القصد، وهو الهادي إلى سواء السبيل.
يوسف القرضاوي