انتصاراً للسنَّة وليس انتصاراً لمبارك
9
فبراير 2011 بواسطة الشيخ محمود عامر
يخطئ
من يتوهم أن دعوتنا لعدم الخروج على الرئيس مبارك إنما هي نوع من العمالة للنظام أو
أنها دعوة للذل والهوان والرضا بالظلم والفساد، كما يخطئ من يتوهم أن أحاديث السمع
والطاعة للحاكم المسلم إنما جاءت فيمن يلتزم كل الشرع أو غالبه أو أن هذه الأحاديث
إنما تنطبق على الخلفاء الراشدين ومن جاءوا من بعدهم كالدولة الأموية دون غيرهم كالحكّام
المعاصرين، وسواء كان هذا الخطأ عن عمدٍ أو عن تأويل فاسد أو عن جهل فالنتيجة في الدنيا
واحدة ألا وهي الفتنة وذهاب الأمن وسفك الدماء والله يتولى السرائر في الآخرة، فتعالوا
نتباحث بالنقل تارة وبالعقل تارة أخرى ليس حماية للنظام الحالي في مصر فحسب وإنما حماية
لمن سيأتي فيما بعد وفق نفس القواعد التي أصلها أهل السنَّة والجماعة في التعامل مع
الحكّام المسلمين وذلك على النحو التالي:-
إن
الملاحظ على الأحاديث التي وردت في السمع والطاعة للحكام المسلمين وإن جاروا وظلموا
إنما وردت في حكّام ولو كانوا على غير الهدى، لأن الحاكم لو كان على هدى من ربه وعلى
هدى من رسوله – صلى الله عليه
وسلم
– ليس فيه فتنة، وبالتالي لا تكون للأحاديث الواردة في السمع والطاعة ثمّة فائدة، وإنما
جاءت الأحاديث والتي بلغت حد التواتر تقريباً في شأن معاملة الحكّام ولو كانوا يعصون
الله ويصدر منهم مخالفات ولنأتي لحديث واحد فقط يبيّن هذا الأمر بصورة محكمة وليست
متشابهة:
فعن حُذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- قال: قال
رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: “يكون بعدي أئمة لا يَـهدون بِـهديي ولا يستنون بسنتـي،
وسيقوم فيكم رجال قلوبُهم قلوب الشياطين في جثمان إنس”. قلت: كيف أصنعُ إن أدركت ذلك؟
قال: “تسمع وتُطيع للأمير وإن ضربَ ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع”. رواه مسلم في صحيحه.
قلت:
إن الرسول – صلى الله عليه وسلم – يتحدث بوضوح وإحكام عن حكّام لا يهدون بهديه ولا
يستنون بسنته فهل أمثال هؤلاء يتحاكمون إلى الشريعة كلها؟ الإجابة واضحة أن من لا يهتدي
بهدي النبي – صلى الله عليه وسلم – ولا يستن بسنته ليس ممن يلتزم الشرع بحذافيره بل
يحكم بغير ما أنزل الله، ومع ذلك حينما سئل النبي – صلى الله عليه وسلم – عن هؤلاء
الحكّام في ذات الحديث قال للسائل: “تسمع وتُطيع للأمير وإن ضربَ ظهرك وأخذ مالك” إذن
فالحديث يتحدث عن نوع من الحكام ممن يقولون لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله إلا أنهم
واقعون في الظلم والبطش حتى وصل بهم الحال إلى اعتقال الأبرياء وإهانتهم بضربهم على
ظهورهم بل أخذ ومصادرة أموالهم ومع هذا الظلم البيّن إلا أن الرسول – صلى الله عليه
وسلم – أمر بالسمع والطاعة لهؤلاء الحكّام في المعروف مع أنهم فيهم من القصور ما هو
واضح للعيان، والحكمة في ذلك واضحة وقد أسهب فيها علماء السلف موضحين لها ألا وهي المحافظة
على الأمن والاستقرار وعدم سفك الدماء على عموم الناس حينما تقع مثل هذه الفتن، والتاريخ
الإسلامي ملئ بالمواقف التي تبيّن مفاسد الخروج على الحكّام وإن جاروا وظلموا ومن هنا
كان شدة تحذير أئمة السلف من هذه الفتنة، ولقد ذكرتُ أكثر من سبعة وعشرين حديثاً ما
بين متفق عليه أو ما رواه البخاري أو مسلم أو من دونهما بتصحيح أحد أئمة هذا العصر
في تحقيق الأحاديث، كما ذكرتُ أكثر من قول عشرين إماماً يحرمون الخروج على حكّام الجوْر
ولمن شاء فليرجع إلى كتابي “الخوارج دعاة على أبواب جهنم” وسوف أقتصر هنا على التذكير
بقول عالم من كبار علماء الاجتماع في الإسلام ألا وهو ابن خلدون حيث يقول: ” ومن هذا
الباب أحوال الثوار القائمين بتغيير المنكر من العامة والفقهاء؛ فإن كثيرا من المنْتَحِلين
للعبادة وسلوك الدين يذهبون إلى القيام على أهل الجَور من الأمراء، داعين إلى تغيير
المنكر والنهي عنه، والأمر بالمعروف رجاءً في الثواب عليه من الله، فيَكثُر أتباعُهم
والمتشبِّثون بهم من الغوغاء والدهماء، ويُعَرِّضون أنفسهم في ذلك للمهالك، وأكثرهم
يَهلكون في تلك السبيل مأزورين غير مأجورين؛ لأن الله سبحانه لم يَكتب ذلك عليهم
…”.أ.هـ.
فإذا
جئنا إلى أئمة السلف الصالح وهذا أحدهم الإمام الحسن البصري حيث يقول في فتنة الخروج
على حكّام الجور والظلم: والله! لو أنّ الناس إذا ابتُلُوا مِن قِبَل سلطانهم صبروا،
ما لبِثوا أن يرفع اللهُ ذلك عنهم؛ وذلك أنهم يَفزَعون إلى السيف فيوكَلُوا إليه! ووالله!
ما جاؤوا بيوم خير قطّ!”، ثم تلا: {وتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الحُسْنَى عَلَى بَنِي
إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا ودَمَّرْنا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ
وَمَا كَانُوا يَعْرِشُون}. أ.هـ.
قلت:
وقد يقول قائل إن الثوار في ميدان التحرير لم يرفعوا سلاحاً وبالتالي لا ينطبق عليهم
هذا الكلام والرد على ذلك أيسر مما يكون، إن العلة ليست في حمل السلاح أو عدمه وإنما
العلة هي الخروج عن طاعة الحاكم والسعي لإسقاطه فإذا كان ذلك بدون السلاح فتلك مصيبة
وكبيرة من الكبائر وإن كان بالسلاح فالمصيبة أعظم والكبيرة أكبر والواقع يشهد أن هناك
تربص بين الثوار وبين النظام القائم، وخطابي هذا ليس لشباب الفيسبوك ممن تلقوا ثقافة
غربية فهذا الخطاب بعيدٌ عنهم وإنما خطابي لمن يحملون شعارات إسلامية سواء من ادعى
السلفية أو السنّية أو الإخوانية أو الأزهرية فالخطاب لهؤلاء إعمالاً بقول الله عز
وجل ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي
الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ
إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً))
[النساء آية: (59)]
فأين
الرد إلى الكتاب والسنّة إذا اختلفنا فيما هو قائم وواقع في ميدان التحرير؟ بل أين
الدين والشرع في ميدان التحرير؟ فمن زعم أنها ثورة مباركة وحث الناس على السعي إلى
ميدان التحرير فذلك إنما مجرد زعم لا برهان عليه من الكتاب أو السنّة الثابتة أو قول
إمام من أئمة المسلمين من أهل السنّة والجماعة وبالتالي يُخشى على الدماء التي تهدر
من أي طرف كان أن تدخل في الوعيد المذكور في الأحاديث النبوية، كما يُخشى على من يؤجج
هذه الفتنة الوعيد الذي جاء في الأحاديث النبوية فيمن خرج على السلطان شبراً فمات هذا
الخارج فميتته ميتة جاهلية فمن أراد المزيد من التنظير الشرعي للمسألة فعليه أن يرجع
على ذات الموقع للمقالات الآتية: ” موقف الشريعة من الرئيس مبارك”، ” كلام العلماء
في معاملة الحكام”.
فما
سبق ذكره هو الوجهة الشرعية في الفتنة القائمة في مصر فمن حاد عن الشرع فأمره إلى الله
بيننا وبينه الصراط يوم القيامة، أما الذين يتكلمون بمحض عقولهم فأقول لهم:
إنكم
تطالبون بإسقاط النظام ولم تبينوا لنا ما هو نظامكم المدون ومن أشخاصه أي أنكم تدفعون
مصر إلى المجهول في حين أننا أمام نظام مدون وأشخاصه معروفون وإن كان فيهم قصور وأخطاء
أما أنتم فليس لديكم نظامٌ ولا قيادة، فمثلاً الإخوان يصرحون بأنهم لن يترشحوا لرئاسة
الجمهورية ولن ينافسوا على رئاسة الوزراء فإذا كان الأمر كذلك فما بديلهم لرئيس الجمهورية
والذي تنتهي ولايته في شهر سبتمبر القادم، وما هو بديلهم لنائب رئيس الجمهورية وما
هو بديلهم لرئيس الوزراء؟! فإذا لم يطرحوا لنا أسماءً فلماذا يصرون على إحداث الفراغ
الدستوري في مصر؟! ثم أن الإخوان يتناقضون فيصرحون باحترامهم للمؤسسة العسكرية ويتناسون
أن
القائد
الأعلى لهذه المؤسسة من ذات هذه المؤسسة ألا وهو الرئيس مبارك وكذلك نائبه وكذلك رئيس
وزرائه فإذا كان الاحترام قائماً حقيقة فلما الإصرار على تنحية القائد الأعلى للقوات
المسلحة والتي تأتمر بأمره ومن هذا الأمر عدم إطلاق الرصاص على أحد من المتظاهرين،
وكذلك الخطاب للشباب الذي يقولون عنه ثوار الفيسبوك من هو المرشح لديكم ليخلف الرئيس
مبارك الذي تنادون بتنحيته تماماً وتنحية نظامه والذي منه ذلك الجيش المرابط في ميدان
التحرير ونائبه ورئيس وزرائه فأين احترامكم للمؤسسة العسكرية؟
تلك
القوات التي خاضت أعظم معارك العصر الحديث في العاشر من رمضان وأرغمت يهود على الانسحاب
الكامل من الأراضي المصرية، وهاأنتم الآن تشوهون أعظم عملٍ قام به الشعب المصري في
العصر الحديث حينما سحق الجيش المصري جيش يهود، إذن أنتم وإن حسنت نواياكم تدفعون البلاد
إلى مجهول وإلى فتن وإلى اقتتال لا يعلم مداه إلا الله، بل من الأعاجيب أنكم أيها الشباب
الثائر لا تتفقون على قيادة تقودكم فيما أنتم بصدده بغض النظر عن مخالفتكم للشريعة
الإسلامية فيما قمتم به، لأن التغيير في الإسلام لا يكون بثورات أو إنقلابات وإنما
يكون بدعوة صحيحة وتدين سليم وتربية الشعب على ذلك الدين عقيدة وشريعة وأخلاقاً، أما
طريق الثورات فليس من هدي الإسلام كما وضحت سابقاً، فإذا عدنا للدستور الوضعي الذي
يضبط ما تطالبون به فإنكم ترفضونه وتفسرون نصوصه وفق أهوائكم وأهواء بعض المفكرين الذين
لهم خصومة مع النظام، فأيًّا ما كانت التأويلات فإن العقل السديد يدعوكم أن تفضوا إضرابكم
وتعودوا إلى دياركم وأعمالكم تاركين تنفيذ ما رأيتموه وأقركم عليه النظام القائم إلى
الحكماء وولاة الأمر في مصر الذين لا زالت شرعيتهم قائمة رغم الانفلات الذي وقع في
الأيام السابقة.
وختاماً:
أصرح بعقيدتي في هذا الشأن المثار الآن نصيحة لله ثم لأئمة المسلمين وعامتهم على النحو
التالي:
أنه
لا يجوز الخروج على ولاة أمر المسلمين إلا في حالتين:
الحالة
الأولى: منع الحاكم الناس من الصلاة.
الحالة
الثانية: أن يرتد الحاكم عن الإسلام ردّة واضحة لا احتمال فيها.
إذا
وجد إحدى هاتان الحالتين وكان في المسلمين قوة وقدرة على تنحية الحاكم بلا فتنة أشد
ومفسدة أعظم جاز للمسلمين ذلك.
هذه
العقيدة لا تتعلق بالرئيس مبارك في ذاته بل ستكون نفس العقيدة للرئيس القادم أياًّ
كان اسمه طالما أنه على الإسلام، وعلى الإخوان أن ينتبهوا لهذا الأمر حتى لا تتكرر
مآسيهم الماضية والتي لا تُصيبهم فقط بل تُصيبنا نحن كذلك لأن الفتنة إذا وقعت عمّت،
فرغم قناعتي بأن الفكر الإخواني ليس على جادة أهل السنّة والجماعة إلا أنني أخشى عليهم
سفك دمائهم ودماء المسلمين.
كتبه
محمود
عامر
ليسانس
شريعة – دبلوم في الدعوة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق