الأربعاء، 23 فبراير 2011

التعليق حول حديث ((يقودكم بكتاب الله))

التعليق حول حديث ((يقودكم بكتاب الله))
23 فبراير 2011 بواسطة الشيخ محمود عامر
التعليق حول حديث ((يقودكم بكتاب الله))

إنها نفس العلة عدم حمل المتشابه من النصوص على المحكم فالمحكم من النصوص هو الذي يفسر لنا النصوص المتشابهة لأنه يستحيل شرعاً وعقلاً أن تتضارب النصوص الصحيحة الثابتة عن المعصوم – صلى الله عليه وسلم -  فالحديث الذي رواه مسلم :(إِنْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ مُجَدَّعٌ حَسِبْتُهَا قَالَتْ أَسْوَدُ يَقُودُكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا) واضح الدلالة أن الطاعة واجبة للأمير وإن كان عبد رقيق ومن المعلوم أن العبد الرقيق ناقص الأهلية وبالتالي لا يولى على المسلمين ومع ذلك لو فرض أن جاء هذا العبد وتملك وغلب وكانت له شوكة فله السمع والطاعة مع أنه ناقص الأهلية أي أنه يتعارض مع الكتاب والسنة التي بينت لنا أن العبد ناقص الأهلية، ويبقى التساؤل إنه يقودنا بكتاب الله فهل يُفهم من هذا الحديث إسقاط السنَّة أم أن النصوص يجمع بعضها بعضاً أو يُفسر كتاب الله هنا أنه يشمل القرآن والسنَّة، فإذا جئنا إلى الأحاديث الأخرى الصحيحة والتي بينت لنا القصور الشرعي من الحكّام في عدم التزامهم الكتاب والسنّة إلا أن المعصوم – صلى الله عليه وسلم - أبقى لهم السمع والطاعة والبيعة ما لم يرتدوا عن الإسلام أو يمنعوا الناس من الصلاة وعلى ذلك فقوله – صلى الله عليه وسلم – (يقودكم بكتاب الله) أي أنه على الإسلام معتزاً بالقرآن وليس جاحداً له أو جاحداً للسنَّة النبوية وهذا ما أقره الدستور الوضعي حينما نص على الآتي:

1- الدين الرسمي للدولة هو الإسلام.
2- الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع.

فهذان النصان يجليان حقيقة واضحة أن الدولة تقودنا بالكتاب والسنّة وتُقر
بذلك أما نسبة التطبيق ووجودها على أرض الواقع فهذا تتفاوت فيه الدول تبعاً لتفاوت الإيمان وتفاوت البيئات المهيئة للتطبيق الكامل مع عدم وجود الموانع مثل الضغوط الدولية الاستعمارية والتي تستخدمها الدول الكبرى ضد الدول الإسلامية.

إذن فالإعلان والإقرار بالقرآن والسنَّة أمرٌ معلن حيث لم يخرج علينا رئيسٌ
في بلادنا أنكر القرآن أو السنَّة وإنما الحديث حول حجم العمل بهما على أرض الواقع فمثلاً الأصل في مصر هو التوحيد وهو الركن الأول في الإسلام ولازال الناس في مصر شعباً وحكومة ورئيساً يرددون كلمة (لا إله إلا الله محمد رسول الله) ولازالت الدولة قائمة على بناء وتشييد وتهيئة المساجد للصلاة بل أن الأئمة والخطباء وعمال المساجد يحصلون على رواتبهم من الدولة وكذلك الكليات الشرعية التي تُعد الدعاة والأئمة والخطباء في كنف الدولة، ولازالت الدولة تُنفق على إذاعة للقرآن الكريم ببث دائم يومي ليلاً ونهاراً وكل ذلك على نفقة الدولة، ولازالت الدولة تدقق في طباعة المصحف الشريف وتقوم بتوزيعه في الداخل والخارج ولازالت الدولة تحرص على تحري رؤية رمضان ليؤدي الناس صيامهم وهذا هو الركن الثالث للإسلام كما أن الدولة تقوم على تنظيم رحلات وبعثات العمرة والحج في كل عام وهذا هو الركن الخامس للإسلام أما الزكاة فقد تقدمت الدولة بتشريع لينظم جبايتها فأبى مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر والذي بدوره يخضع للدولة تاركين إخراج الزكاة لكل صاحب مال أي أن الدولة لم تُشرع تجريماً لأي أحد يُخرج زكاة ماله إذن فالأركان الخمسة للإسلام قائمة على أرض الواقع وهذا امتثالاً لقوله – صلى الله عليه وسلم – (يقودكم بكتاب الله) فإذا جئنا إلى أركان الإيمان الستة وهي:

الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره تلك
الأصول الستة للإيمان لا نعلم أن الدولة تقول بخلافها أو تعتقد ضدها وتعلن ذلك، فإذا جئنا إلى المرتبة الثالثة للإحسان لا نجد تشريعاً مضاداً له بل لا يمكن أصلاً أن يكون هناك تشريعٌ يحول بين الناس وبين الإيمان والإحسان إذن نخلص من ذلك أن الأصول والأركان الأساسية للكتاب والسنَّة موجودة على أرض الواقع لا ينكرها إلا جاحد أو أعمى بصيرة وكل ذلك يحقق (يقودكم بكتاب الله) فإذا جئنا لأحكام الأسرة والمتعلقة بالزواج والطلاق والرضاعة والحضانة والميراث والخطبة والوصية كل ذلك وفق القرآن والسنَّة باجتهادات معتبرة بغض النظر عن الراجح والمرجوح وكل ذلك يحقق (يقودكم بكتاب الله) فإذا جئنا لبعض النصوص المتعلقة بالحدود لوجدنا أن أهل السنَّة والجماعة ومن خلال فهمهم لنصوص الكتاب والسنَّة أصلوا أصلاً أن الحدود موكولة للحاكم لا يُنازعه فيها أحد قد تكون هناك موانع أو شبهات أو تأويلات أو جهالة بالحكم كل ذلك لا ينفي أصل قيادة القرآن للأمة لأنه من المقرر بالإجماع أن الإيمان شعب وأجزاء لا ينفيه انتفاء شعبة منه أو جزء فيه اللهم إلا انتفاء الشعبة الأولى ألا وهي كلمة التوحيد وهذا هو المجمع عليه بين العلماء قاطبة وما دونه مختلف فيه ومع وجود الخلاف يبقى الاحتمال ومع الاحتمال يسقط الاستدلال ثم نضيف إلى ذلك الكفر الأكبر الواضح الذي لا لبس فيه ولا غموض ولا احتمال لأنه لو وجد الاحتمال لسقط الحكم بالتكفير وبالتالي لا ينتفي قوله (يقودكم بكتاب الله) إلا بالردة الواضحة أو بمنع الناس من الصلاة.

فإذا جئنا إلى قول النبي عليه الصلاة والسلام في شأن حكام لا يستنون بسنته
ولا يهتدون بهديه في قوله (يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ وَلَا يَسْتَنُّونَ
بِسُنَّتِي وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ قَالَ قُلْتُ كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ قَالَ تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلْأَمِيرِ وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ فَاسْمَعْ وَأَطِعْ ) تُرى هل الحاكم الذي يهتدي بهدي غير هدي النبي عليه الصلاة والسلام ولا يستن بسنته ويضرب الظهر ويصادر الأموال هل هذا الحاكم يُطبق حكم الله في هذه الجزئية؟! بالطبع لا ومع ذلك أمر النبي – صلى الله عليه وسلم – بطاعته ولم يقيدها هنا في المعروف فهل يا تُرى نطلق الطاعة كما جاءت في هذه الرواية التي رواها مسلم؟
أم أننا سنقيد هذه الطاعة بالروايات التي أخبرتنا أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق وكذلك قيدت عدم طاعته في ذات المعصية مع بقاء البيعة والطاعة له أي أن النصوص لم تسقط البيعة والطاعة للحاكم الذي أمر بالمعصية بل أمرت باجتناب تلك المعصية وعدم طاعته في ذلك، وكذلك الحال في الشبهة التي يثيرها الكثير في حديث مسلم (يقودكم بكتاب الله) هذه الرواية تفسرها النصوص الأخرى والتي جمعت منها سبعة وعشرين نصاً فارجع إليه في مقال تحت عنوان (موقف الشريعة من مبارك) أو كتاب الخوارج دعاة على أبواب جهنم أو كتاب الشيخ عبد السلام برجس (معاملة الحكام في ضوء الكتاب والسنّة) إضافة إلى المراجع التالية:

1- شرح العقيدة الطحاوية.
2- منهاج السنة لابن تيمية
3- أصول السنة للإمام أحمد.
4- شرح السنَّة للبربهاري.
5- الإبانة لابن بطة .
6- الشريعة للآجري.
7- شرح أصول أعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي.
8- السنَّة لابن أبي عاصم.
9- فتح الباري شرح صحيح البخاري المجلد الأخير كتاب الفتن.
10- شرح صحيح مسلم باب الإمارة.

وكل هذه المراجع وغيرها من مصادر أهل السنّة تؤكد على عقيدة واضحة لا لبس فيها ولا غموض بحرمة الخروج على الحكام المسلمين طالما أنهم على إسلامهم ولم يمنعوا الناس من الصلاة.

أما استدلال البعض بمواقف تاريخية للحسين – رضي الله عنه – وابن الزبير – رضي الله عنهما – أو غيرهما فليس بحجة أمام تلك النصوص التي تصل إلى حد التواتر في تجريم وتحريم الخروج على الحكام فالحجة في المعصوم الذي يأتيه الخبر من السماء فهل هناك أحد آخر في هذه الأمة يشارك الرسول – صلى الله عليه وسلم – في تلك الخصوصية الوحي والعصمة، وليس معنى ذلك أن الحسين أو ابن الزبير – رضي الله عنهم – من الخوارج لأن النصوص قد ثبتت بخيرية هؤلاء وعلى ضوء ذلك تُفسر مواقفهما بهذا المحكم الذي أثبت الخيرية لهما ولجيلهما فضلاً عن أن التاريخ يثبت أن الحسين – رضي الله عنه – لم يجيش جيشاً ليخرج به على الخليفة بل خرج بأولاده وأهله إلى العراق بناء على مراسلات تطلبه ليأتي إلى العراق من عموم الناس ووجهائهم إذن فهناك علة تاريخية خفية قد لا تعلمها وقد يعلمها المحققون في فتنة قتل الحسين – رضي الله عنه – وأذكر في ذلك مقولة لا يحضرني قائلها (إن امتنعت الأمة على منح الإمامة أي الرئاسة لحفيد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فكيف بمن دونه) والذي يستدل بفعل عبد الله ابن الزبير – رضي الله عنهما – أذكره ماذا كان مصير الحسين ومصير ابن الزبير، فاعتبروا يا أولي الأبصار،  كما أن أهل السنة منذ حدوث الفتنة بمقتل ذي النورين الخليفة الراشد صهر النبي – صلى الله عليه وسلم – عثمان بن عفان – رضي الله عنه – إلى الآن لا يثيرون ما حدث من خلاف بين الصحابة ولا يستدلون بالفتنة على فتنة أخرى بل يبطلون الفتنة بالنصوص الشرعية
وأعتقد أنني قد أتيت على كل شبه الأخ المذكور (مسلم وأفتخر) ولا يبقى أمامه إلا الإذعان للسنّة وأهلها أو إتباعه لهواه فهذه القضية لا تحتمل خلافاً لأن الخلاف فيها ثمنه الدم فاعتبروا يا أولي الأبصار.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق